الأربعاء، 14 أغسطس 2013

(2) خطر الأسلام السياسى على قضية المواطنه والديمقراطيه



(الجزء الثانى)
مدخل:
قال الكاتب الباكستانى (طارق على) فى كتابه (صراع الأصوليه) الذى نشر عام 2003:
"ان اليهوديه والمسيحيه والأسلام، كلها بدأت – كأفعال سياسية – شبيهة بالتى يطلق عليها اليوم حركات سياسيه".
لا أدرى مدى دقة هذا الرأى وصحته بالنسبة لليهوديه والمسيحيه، لكن بالنسبة للدين (الأسلامى) وأحكامه، فمن وجهة نظرى أن أفضل من ينتقده ويقومه ويقدم استشارة (مفيدة) للآخرين عن حقيقته وعن معانيه وماوراء المعانى الظاهريه، وعن كيفية التعامل مع الطوائف والمذاهب الأسلاميه المختلفه، ليسوا هم  كما يظن الكثيرون خطأ، الطبقة التى تعرف بالعلماء والفقهاء بالمفهوم (الأسلامى) التقليدى، الذين يحفظون العديد من الآيات القرءانية والى جانبها كثير من الأحاديث النبويه الصحيحة والضعيفة، ويستشهدون بها ويعرفون أسباب نزول الآيات، والناسخ والمنسوخ ويرتدون زيا مميزا بهم وفى غالبهم تخرجوا من جامعات ومعاهد (اسلاميه) متخصصة ونهلوا من مخطوطات ومجلدات العلماء والمفسرين السابقين، دون اهتمامهم بثقافة العصر الذى يعيشون فيه، فاؤلئك انفسهم جزء من المشكله .. على العكس من ذلك تماما فأن أفضل من يقدم تقويما صحيحا وأمينا للأسلام فى الوقت الحاضر ويمكن أن يستفاد من استشارته، هو ذلك المسلم (الليبرالى) المستنير، الحاصل على قدر جيد من التعليم (الأكاديمى)، فى اى مجال .. المتمتع بثقافة دنيوية عامة عاليه ودينيه ممتازه لا تقتصر على الدين الأسلامى وحده .. ومن المهم جدا أن تكون اللغة (العربية) لغة امه، أو تعرف عليها وتحدث بها (بطلاقة) منذ طفولته المبكرة، فكثير من عبارات تلك اللغة (المعقدة) ومفرداتها تفهم من (روحها) ومن اشاراتها ومن صياغها الكلى، لا من خلال ترجمتها (الحرفية)، على سبيل المثال لا الحصر فالحديث الذى يقول أن رجلا جاء للنبى وقال له أن زوجتى لا تمنع يد (ملامس) لو ترجم للغة الأنجليزية أو الى اى لغة أخرى، فسوف يكون المعنى مخالفا تماما للمعنى المقصود فى اللغة العربية.. وأخيرا لابد من أن يكون ذلك الأنسان قد نشأ وترعرع فى بيئه ومجتمع متسامح لايتعامل اهله مع (الدين) فى شئ من الخوف والرهبه، أو من خلال مفهوم الحلال والحرام والثواب والعقاب والجنة والنار وحدهم، وبذلك يكون  مهيأ لتوصيل معانى وقيم الأسلام ونقد ما فيه من سلبيات وما لايناسب روح العصر فى قدر عال من الأمانة والصدق والموضوعية والمعرفة، ويكون فى نفسه قادر للتعامل مع الآخرين ومعتقداتهم غير الأسلاميه فى حياديه وتقدير واحترام حقيقى ودون نفاق اجتماعى أو مجامله.

 توضيح :
لكى تخرج هذه (المادة) على قدر من المصداقية، كان لابد من التعرض لجوانب فكريه وفقهية والأستشهاد ببعض الأراء المنقوله عن شخصيات اسلاميه تاريخيه ومعاصرة قد لا تتوافق مع فكر ورؤية مقدمها عن الدين الأسلامى، لكن كان أستعراض تلك الأراء والأستشهادات ونقلها كما هى، ضرورة للبحث أو (للمادة) من أجل التوصل الى نهائيات ونتائج وتوصيات مهمه .. أمر آخر نود أن ننوه اليه، بأننا حينما نتناول فى هذه (المادة) الأسلام أو التشريعات الأسلاميه (شريعة) القرن السابع، التى يسعى الأسلاميون لفرضها – بجميع الوسائل – دستورا للحكم يؤدى الى تحقيق مشروع (الخلافة) فى بلدانهم بل فى العالم كله، وهذا ما يجهر به البعض ويبطنه آخرون حتى يحين وقت الجهر به، فأننا  لا نهتم كثيرا بالجانب الأيمانى أو العقدى والتعبدى فى ذلك الدين أو فى جوانب أخرى منه مثل فقه (الأحوال الشخصيه) الذى ربما يحتاج فى كثير من جوانبه لتطوير لكى يتناغم ويتسق مع المواثيق الدولية والأعلان العالمى لحقوق الأنسان، التى صدقت عليها معظم الدول التى يقال انها (اسلامية) وتلك الجوانب يمكن الحديث عنها فى مظانها، لكن ما يهمنا هنا تحديدا هو (احكام) تلك الشريعه المستنده على فهم وعلم فقهاء سابقين أو محدثين فى معظمهم لم ينالوا تعليما ماديا على قدر معقول وفى ذات الوقت هم غير ملمين بثقافة العصر (الحالى) وتعقيداته واشجان أنسانه للحرية المطلقه ولذلك فمن الطبيعى أن يكون أؤلئك (الفقهاء) غير قادرين (نفسيا) على تقبل هذه الثقافة أو لتصالح معها .. وخطورة التشريعات والقوانين المنبثقه من فقه وأحكام تلك (الشريعة) التى فرضت على المسلمين قبل اربع عشرة قرنا من الزمان ثم تمددت فى الدول التى فتحت فيما بعد وسعت لطمس والغاء ما وجدته عندهم من ثقافات وقوانين وأنظمة حكم، تارة بالأقناع والسلم وتارة بالبطش والعنف والسيف، أنها حتى الآن وفى ظل بروز شكل (الدولة الحديثه) وتشوق البشرية على مختلف اشكالها الى انظمة وقوانين مدنيه وديمقراطية، لا زالت تؤثر فى الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين وتفرض عليهم (معتنق) وأسلوب حياة وحكم ودساتير وقوانين ربما لا يكونوا مقتنعين بها، بل ان الدساتير والتشريعات المنبثقه عن تلك (الشريعه) فى حقيقة الأمر لا تعترف باعظم انجاز توصل له العقل الأنسانى وهو (الديمقراطيه) ومبدأ المواطنه المتساويه والأعتراف بحقوق المرأة، وحقوق معتنقى الديانات الأخرى سماويه وغير سماويه، اضافة الى ذلك فتلك (الشريعة) لا تهتم كثيرا بصياغة قوانين تحمى الأطفال والقاصرين كما سوف نبين ذلك لاحقا، ولهذا كله فلابد من الأعتراف فى شجاعة وأمانة أخلاقيه وعلمية، خاصة من قبل (الأسلاميين) بأن الدوله المدنيه الديمقراطيه الحديثه التى تبنى على مؤسسات، تنفيذيه وتشريعيه وقضائيه وترسخ فيها مبادئ (التداول السلمى) للسلطة، وترفض الأحتكار والهيمنة والأستحواذ وبذلك تمنع الأستقطاب والعنف، تلك (الدولة) لا يمكن أن تظهر فى ظل أنظمة تتبنى دستورا ينبثق من تلك (الشريعة)، التى ربما كانت مناسبة فى مكانها وزمانها، لكنها فى العصر الحديث لا يمكن الا أن تؤدى الى دوله (دينيه) ديكتاتورية وشمولية.
للفقهاء و(المرشدين) فيها، دور أعلى وأكبر مما للساسة والمفكرين وبدون شك سوف يتغول اؤلئك الفقهاء و(المرشدين) على سلطات وصلاحيات الروؤساء والأحزاب الحاكمه، حتى لو وصلت تلك الأحزاب للسلطة عن طريق انتخابات ديمقراطيه وحرة ونزيهة.
اجابة لسؤال مهم:
سؤال مشروع ومتوقع من حق أى أنسان ان يطرحه وهو لماذا أخترنا (مصر) تحديدا كنموذج فى هذه (المادة) التى تتناول جانبا من (خطر الإسلام السياسى على قضية المواطنة والديمقراطية)، و(التغيير) بصورة شامله، وبصورة أكثر خصوصية على بلد مثل السودان، وقد سبقت الثورة التونسية شبيهتها المصريه بعدة اسابيع .. وتونس يوجد فيها تيار اسلاموى قوى تقوده حركة (النهضه) والشيخ راشد الغنوشى وفيها سلفيين ومتشددين مثل مصر تماما؟
والأجابه ببساطة هى .. أن السبب فى ذلك يرجع لثلاثة أوجه، الوجه الأول هو تأثر السودان الدائم، خاصة فى العصر الحديث بما يجرى فى مصر من أحداث وتغيرات سياسية ودينيه وكمثال لذلك فأن حركة الأخوان المسلمين فى السودان تأسست بمباركة ودعم وتوجيه مباشر من مرشد الأخوان المسلمين ومؤسس الجماعة (حسن البنا)، ومنذ وقت مبكر، رغم اختلاف الثقافة الدينيه فى السودان فى ذلك الوقت عن (الثقافة) المصريه، ربما حدث ذلك بسبب القرب والجوار بين البلدين أو بسبب توجه العديد من السودانيين للحصول على تعليمهم خاصة المتقدم فى مصر، والوجه الثانى يعود لقوة الأعلام المصرى وأنتشاره مما سهل علينا عملية الرصد والمتابعة لما يدور من احداث وسلوكيات وتجاوزات خطيرة بدرت من تلك (التيارات) الأسلامويه، خصما على الممارسه الديمقراطية وانتهاكا لمبادئ (المواطنه) المتساويه فى حق بعض المواطنين  مسلمين وغير مسلمين، وما هو محير ومدهش أن أغلب التجاوزات اذا كانت اخلاقيه أو قانونيه خلال هذه المرحله كان ابطالها ممن ينتمون للتيار الأسلامى على مختلف توجهاتهم .. أما الوجه الثالث والأهم، هو تواجد كآفة الحركات الأسلاميه (اليوم) على أرض (مصر)، المتطرفه منها التى فى قمتها القاعده والسلفيه الجهاديه والسلفيه الحركيه والسلفية الدعويه والجماعه الأسلاميه باشكالها المختلفه، جماعة حازم ابو اسماعيل (حازمون) أو حزب التنمية والبناء الذى تقوده مجموعة من الأسلاميين، من بينهم عدد شارك فى التخطيط والدعم والمساعدة فى تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس المصرى الأسبق (أنور السادات) عام 1981.
 خرجوا من السجون بعد أكثر من 30 سنه وبعد انقضاء مدة حكمهم بسبب قانون (الطوارئ) الذى ظلت مصر محكومه به منذ بداية عصر (مبارك)، واصبحوا مشاركين فى الحياة السياسية، وفى الحديث على الفضائيات يظهرون الأعتدال تارة والعنف اللفظى والتهديد والوعيد وربما العنف (اليدوى) للمختلفين معهم ومن يرفضون مشروع (اسلمة) الدوله المصرية، تارة أخرى، اضافة الى مجموعات (اسلامية) أخرى تتدعى الوسطية والأعتدال، مثل حزب الوسط وحزب الحضارة وحزب مصر القويه وجميع هذه الحركات والأحزاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة يقودها (الأخوان المسلمون) –  بوعى منهم أى (من تلك الجماعات) أو بلا وعى -  وبتحالف بينهم أو بدون تحالف، بما للأخوان المسلمين من امكانات ماليه هائله وقدرات بشريه وتنظيمية وخبرات سياسيه ومكر ودهاء وصورة مفتعله من (الإعتدال) قد لا يدرك الكثيرون بأنها غير حقيقيه بل مدعاة، وقد ظهر ذلك التحالف بين تلك الحركات واضحا خلال (معركة) الإستفتاء الأول على الإعلان الدستورى فى 19 مارس 2011 وخلال انتخابات البرلمان – الذى تم حله - ومجلس الشورى وانتخابات رئاسة الجمهورية والإستفتاء على الدستور.
وما هو مثير للدهشه ويستحق وقفة تأمل أن تلك الجماعات المنتمية للتيار الأسلامى، قد تآمروا وخططوا ونفذوا جريمة أغتيال الرئيس المصرى الراحل (أنور السادات)، وهو الذى منحهم حرية الحركه ومساحة واسعة للعمل واتاح لهم فرصه التنظيم والعمل بقوة وسط المجتمع المصرى قاصدا من ذلك أستغلالهم بحكم الإختلاف (الأيدولوجى) فى مواجهة التيار اليسارى عامة و(الناصرى) خاصة الذى كان صاحب الصوت الأعلى فى مصر، حتى الأيام الأولى من  حكم السادات وقبل أن ينقلب علي رموزه بعد ذلك بفترة ليست طويله، عرفت بضرب مراكز القوى الذين وضع معظمهم فى السجون والمعتقلات.. ومن أجل المزيد من استمالة (الأسلاميين) أطلق على نفسه لقب (الرئيس المؤمن)!
والأخوان المسلمين وبذكاء المكر والدهاء الذى يحسدون عليه، يستخدمون اؤلئك الذين يعرفون أنهم يميلون للعنف اللفظى واليدوى من بين قادة كوادر تلك الحركات المتشدده عند الحاجه والضرورة، بشحنهم بمعلومات لا يهم اذا كانت صحيحه أو مختلقه، تضاف لها بعض (البهارات) الدينيه وتخويفهم من التيارات المدنيه والليبراليه وبأنها تشكل خطرا على دولة (الشريعة)، لأستغلالهم  فى حسم خلافات لا يمكن أن تحسم (بالقانون) والوسائل الديمقراطية وأنما عن طريق الأرهاب والعنف والأغتيال السياسى والمعنوى وربما التصفية الجسدية، وفى ذات الوقت يظهرون أنفسهم بالأعتدال والتزام العمل السياسى (السلمى) التوافقى والميل للحوار، مثلما جرى من حصار مخجل و(معيب) للمحكمه الدستوريه المصريه، لكى تمنع من أداء دورها أعقبه حصار آخر طال مدينة الأنتاج الأعلامى وسبب رعبا للأعلاميين والضيوف خاصة – الليبراليين - منهم الذين يأتون للمشاركه فى البرامج الحواريه التى كان لها دور كبير فى التمهيد للأنتفاضة (الثورة) المصرية.
وواهم من يراهن على خلافات جذرية بين فصائل الأسلام السياسى المختلفه اذا ذلك كان على مستوى القيادات والرموز أو القواعد، فهم ينسقون مع بعضهم البعض ويتطوع فصيل منهم بابرام اتفاق – شفهى-  حتى لا يكون ملزما لهم فى المستقبل للتقارب مع خصومهم فى القوى المدنيه، للتقليل من خطر ضئيل ومحدود على مشروع (دولتهم) فى وقت غير مناسب أو يرون بأن مواجهته لا تحتاج منهم الى عنف.
 لكنهم جميعا يصطفون ويقفون الى جانب بعضهم البعض وبقوة متناسين خلافاتهم مهما كان حجمها، حينما يصل الأمر درجة الخطر الحقيقى الذى قد يؤدى لأصدار دستور وتشريعات وقوانين تهدد دولتهم (الأسلامويه) التى سعوا لها منذ وقت طويل وسفكوا من اجلها الدماء وبقوا فى السجون لعشرات السنين  وقد تعود  بالدوله، الى شكل الدولة المدنيه الديمقراطية الحديثه، التى يكون وضع (الشريعه) فيها مجرد مبادئ كما كان عليه الحال فى كآفة أنظمة الحكم المصريه، قبل وبعد ثورة 23 يوليو، أى بلا اثر واضح أو حدود تنفذ.
 وما هو معلوم تاريخيا فأن فكرة تأسيس جماعة (الإخوان المسلمين) كانت بدايتها فى مصر كما سوف نبين ذلك بالتفصيل لاحقا، وهم من خلال تنظيم (مصر) يهيمنون على عمل كآفة تنظيمات الإخوان المسلمين فى المنطقه بل وفى خارجها، ويمتد أثرهم ليصل الى العديد من الدول الغربيه وما هو معلوم كذلك فأن مرشد الإخوان فى مصر، هو من يتولى منصب المرشد العام للتنظيم العالمى للإخوان الذى قال عنه أحد كودارهم المبتعده عنهم، بأنه يتمدد فى حوالى 90 دولة، وتوجد للإخوان المسلمين اضافة لفروع التنظيم العالمى، روابط لا تقل عددا عن فروع ذلك التنظيم، ظهرت لها فى الآونة الأخيره شعب (نسائيه)، مع أن أدبيات التنظيم (الأخوانى) تعادى المرأة والتجمعات والتنظيمات النسويه، لكن لديهم المبرر لذلك الفعل، أعنى تأسيس شعب نسائيه وضم عدد من النساء للتنظيم وحتى وصولهن للبرلمان وللمقاعد الوزارية (الهامشية)، وهو مبرر يتكئ على فقه (الضرورات تبيح المحظورات) .. وتنظيم (الأخوان المسلمين) فى مصر هو اول تنظيم اسلامى (سنى) على شاكلته يصل للسلطه بعد انتفاضة (ثوره) وعن طريق انتخابات ديمقراطيه، مهما شابها من عوار وتجاوزات وتحالفات ومكر وخداع، ودعاية دينيه وهبات وهدايا، لكنها لا يمكن أن تقارن بتجربة مثل تجربة (تركيا) وغيرها من تجارب مشابهه، فتلك التجارب اقرب للعلمانية ولليبرالية رغم أن الأحزاب الحاكمه فى تلك الدول تعتبر نفسها ذات مرجعية اسلاميه، وقد عبرعن ذلك بوضوح شديد الرئيس التركى (طيب رجب اردوغان) حينما زار مصر لأول مرة بعد الإنتفاضة (الثوره) بأنه (مسلم) فى دولة (علمانية)، ولذلك وبعد أن قوبل بأحتفاء كبيرعند قدومه من  قبل تيارات (الأسلام السياسى) جميعها، ودعوه فى الآخر على نحو فاتر، دليلا على عدم رضائهم عما صرح به.
تنبيه مهم:
لابد أن نميز منذ البدء بين (الإسلام) كدين، نعترف بأنه يشتمل على جوانب أخلاقيه وموجهات تربويه رائعه، خاصة عند بداية ظهوره فى (مكة) والنصوص التى نزلت فى ذلك الوقت والتى دعت للديمقراطية على قدر عال مثل: (فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) ولبسط الحريات وحق الناس فيما يعتنقون، مثل: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وبين تيارات (الإسلام السياسى) وسلوكياتها و(منهجها) الذى تتبعه وتعتبره مرجعية وخطا أحمر دونه خرط القتات وقطع الرقاب واراقة الدماء، والذى يستند على فقه وأحكام (الشريعة) الأسلاميه التى فرضت فى القرن السابع الميلادى فى (المدينة) بعد 13 سنه من ظهور الأسلام، التى يعتبرها (الأسلامويون) حسب فهمهم  للأسلام وثقافتهم التى ترفض التطور، اساسا للدساتير والتشريعات والقوانين، وأى تشريع خلاف أحكام تلك (الشريعة)، يعد عندهم حكم (طاغوت) وكفر وفسوق يجب محاربته، لأنه على حسب ما يرون ياتى على خلاف نص الآيات القرآنيه التى تقول: (ومن لم يحكم بما انزل الله، فاؤلئك هم الفاسقون) أو:(ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون)، مع ان آية ثالثه تذهب فى نفس هذا السياق وتقول: (ومن لم يحكم بما انزل الله، فأؤلئك هم الظالمون). والشئ الطبيعى والمنطقى عند كل من كان له عقل يفكر به، أن (الإله) الذى يعبد لا يمكن أن يناقض نفسه، فهذه الآيه الأخيره كما هو واضح تحدثت فى بدايتها عن (الحكم) وفى نهايتها عن (الظلم) وتلك اشارة الى أن (العدل) هو حكم الله المطلوب لا أحكام (الشريعة)، كما نزلت فى القرن السابع القابله للتطوير والتغيير .. لأن العدل هو القيمه العليا والسامية التى جاءت بها كآفة الأديان ومن أجل تحقيقه على الأرض ارسل الرسل والأنبياء وعمل الحكماء والمصلحون والفلاسفة والمفكرون والمثقفون والأدباء والشعراء .. والعدل اسم من اسماء الله فى الإسلام، والناس على أختلاف دياناتهم ومعتقداتهم وافكارهم يتفقون – جميعا - على ضرورة تحقيق (العدل) فى مجتمعاتهم وأوطانهم وفى الكون كله، لكنهم لا يتفقون على تطبيق تشريع منبثق من دين من الإديان ليحكم الناس جميعا، مهما كانت مثاليته وصلاحيته، وفى ذات الوقت لا يمكن أن يرفضوا القيم الإنسانية التى يحتوى عليها ذلك الدين – أى دين -  بل يمكن أن يستفيدوا منها فى تشريعاتهم دون الأشارة اليها اذا عجز الفكر الأنسانى من أن يقدم أفضل منها طالما كانت تلبى حاجات الناس جميعا وتحل مشاكلهم دون تمييز بسبب انتماءاتهم الدينية .. وفى هذا الجانب للشيخ (محمد متولى شعراوى) وهو احد أئمة المسلمين الكبار فى العصر الحديث وله مكانة خاصة فى قلوب الكثيرين، رؤية ثاقبه قال فيها: "اذا لم يتجدد الفهم للقرآن بين كل وقت وآخر بل فى كل ساعة فلا قيمة للآية التى تقول: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلماته)، ولأكتفى الناس بمعنى وأحد ولأنتهى الأمر على ذلك"وأضاف: " اتوقع قريب جدا أن يصل الناس لمعانى وأسرار لم تكن معروفة من قبل" .. لعل ذلك سببه التطور الهائل الذى أحدثته الثورة الإعلاميه والتكنولوجيا وتقنية المعلومات، على الرغم من ان الشيخ (الشعراوى) شهد جزءا ضيئلا جدا منها وأرتحل.
وللدكتور/ سعد الدين الهلالى استاذ (الفقه المقارن) بجامعة الأزهر وقد كان من بين المرشحين لمنصب (مفتى) الديار المصريه، كذلك رأى جيد فى مسألة (الشريعه) وأحكامها، أدلى به خلال مراجعته وحواره مع د. اسمه (محمود شعبان) افتى بقتل رموز المعارضه المصريه فى جبهة الأنقاذ، قال فيه:
((الشريعة نصف من الله ونصف من العبد)) وأوضح أكثر قائلا: ((من الله (النص) وهو ثابت ومن العبد (الفهم) وهو متغير)) واستدل فى ذلك بالحديث الذى يقول أن (الصلاة مقسومة بين الرب والعبد).
وما هو عجيب وغريب أن ذلك الدكتور (السلفى) الذى دعا لقتل رموز المعارضه المدنيه بأسمائهم فى احدى الفضائيات، تنكر لقوله بصورة لا تجوز فى حق انسان يدعى التدين ويظهره، وبدلا من أن يعترف بخطئه ويعتذر، صب جم غضبه على الأعلام الذى لم يفعل شيئا غير انه عكس للناس ما قاله بلسانه، لكن ما هو اعجب من ذلك أن النيابة قضت بالأفراح عنه بكفاله ماليه ضئيلة لا تتناسب مع الجرم الذى ارتكبه، وكأن الأمر اصبح عاديا فى ظل نظام يدعى تمسكه (بالدين) فمن قبل كذلك أفتى أحد (فقهاء) الأزهر بقتل المتظاهرين الذين يخرجون على الرئيس المصرى، وراوغ ولف ودار لكى يبرر فتواه، وكذلك خرج طليقا يتحدث من خلال الفضائيات من جديد.
رغم كل ذلك .. لا يستطيع كائن من كان مهما بلغ علمه أن  يرفض (الدين) أو التدين بصورة مطلقة أو أن ينفى ارتباطه  بمعتنق روحى، حتى لو كان ذلك الكائن لا دينيا unbeliever فعدم التدين نفسه نوع من الإعتقاد طالما كان مستندا على فكر ورؤية.
ومن حق أى انسان أن يؤمن بما يشاء (اله) أو (كجور) أو انسان أو بقر أو حجر أو شجر، والقرآن نفسه الذى نزل فى (مكة) يقر بذلك ويقول: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ويقول:(لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا) ويقول: (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، ولا يزالون مختلفين).
وفى ذات الوقت لا يستطيع كائن من كان أن يدعو للإباحية وللفوضى وللفساد (الأخلاقي) لكى تصبح سائدة فى مجتمع له عاداته وموروثاته وقيمه وثقافته (المحافظه)، كما تروج لذلك تيارات (الأسلام السياسى) كذبا وأفتراء، للنيل (سياسيا) من مخالفيها الليبراليين والعلمانيين، مسلمين وغير مسلمين، وتعلو تلك الأتهامات وحملات التضليل الممنهج بصورة خاصة، فى الوقت الذى يسبق اجراء انتخابات أو استفتاءات فى نظام ديمقراطى أو شبه ديمقراطى كما تابعنا فى مصر بعد الثوره، أو لكى يثبتوا قرارات حاكم ديكتاتور فاقد للشرعية والجماهيريه الحقيقيه كما فعلوا فى السودان مع (النميرى) ومن بعده (عمر البشير)، أو للدفاع المستميت ونسج (الحيل) والتبريرات التى تستخف بالعقول كما فعلوا مع القرارت غير (الدستوريه) التى تعدت على سلطة القضاء وأفقدته هيبته وأدخلت مصر فى فوضى أمنيه وأزمه سياسية، التى اصدرها حاكم منتخب مثل (مرسى) جاء عن طريق (ديمقراطى)، أوصلته لكرسى السلطه اصوات مواطنين كثيرون لا يؤمنون بفكر (الأخوان)، لكنهم رأوا بأنه أفضل (السيئين)، الشاهد فى الأمر أن (الأسلاميين) عند التطبيق ينسون القيم والمبادئ، ويصبح كل همهم (التمكين) والهيمنة و أن يستمر نظامهم ويبقى حاكمهم متشبثا بكرسى السلطة عن طريق انتخابات نزيهة أو مزوره ومزيفة مستخدما الشعارات الدينيه والتمسك (بالشريعة) فيسيئوا بذلك للأسلام اساءة بالغه ..  لذلك ولكى لا يساء (للدين) أو يتاجر به،  فضبط القيم الأخلاقيه فى مجتمعات (محافظة) ومعتدله، يمكن أن يتم عن طريق صياغة تشريعات وسن قوانين (وضعية) يبدعها فكر أنسانى يتوافق عليها الناس فى دولة أو مجتمع ما، مسلمين وغير مسلمين، حتى لا يستفز معتنقوا الديانات الأخرى ويشعروا بالغبن وبأنهم (غرباء) فى وطنهم وبأنهم ومواطنين درجة ثانية وربما ثالثة، كما تفعل (احكام) شريعة القرن السابع، اذا كنا منصفين والشخص المتدين المنزه عن الغرض والمصلحه  الشخصيه أو الحزبية يدرك بان كلما يؤدى الى غرض الدين فهو دين حتى اذا لم يصرح به ..  ومن خطل القول وعدم الأمانه العلمية والأخلاقيه، أن يقال بأن المواطن (المسيحى) لا يضار بتشريع مؤسس على تلك (الشريعة) الإسلامية أو أن يقال بأن (الشريعة) الإسلاميه تعدل مع المسيحيين ومعتنقى الديانات الأخرى وتساوى بينهم تماما وبين المسلمين، ولو كان الأمر كذلك، فلماذا يبقى ذلك المسيحى متمكسا بدينه ولا يعتنق الأسلام؟
وفى كل الأحوال من المهم أن يصدر ذلك القانون (الإنسانى) الذى اشرنا اليه دون تغول أو تعد على الحريات الشخصيه، والا يتعارض مع المواثيق الدوليه والا يختلف كثيرا عن دساتير المجتمعات الراقيه التى تحترم حقوق الإنسان وفى ذات الوقت لابد أن يراعى قيم وثقافة وتقاليد المجتمعات المتبائنه و(المحافظه)، من مكان لآخر والا يتصادم معها .. فى هذا الجانب كتب المفكر السودانى المهندس القانونى (محمد أحمد محجوب) عام 1943 قبل أن يصبح قياديا بارزا فى (حزب الأمه) الأسلامى التوجه، مقالا بعنوان (السودان الجديد)، جاء فيه:
"يجب أن نكن عادلين مع الآخرين حتى يكونوا عادلين معنا .. وأن العدل لا يتوفر الا بقانون وضعى وانسانى".
ولذلك فما هو مرفوض وتأكدت عمليا صحة رؤية من رفضوه ودفع الكثيرون منهم أرواحهم فى سبيل مناهضته ومقاومته، هو (المشروع) الذى يعمل على اقحام الدين فى السياسة أو فى مؤسسات الدوله والمتاجرة بذلك الدين وشريعته من اجل تحقيق هدف واحد هو الوصول (للسلطه)، والتشبث بكراسيها استنادا على فقه (شرعى) يقول (الحاكم) المسلم يبائع من (الأتباع) على المنشط والمكره ولا يجوز عزله أو اسقاطه مطلقا مهما أفسد وظلم وأستبد ولا يجب أن تحدد له فترة ولاية (حكم) كما يحدث فى الدول الديمقراطيه العريقه التى  تنص دساتيرها وتقضى قوانينها أو أعرافها الراسخة على عدم أستمرار الحاكم جالسا على كرسى السلطه مهما بلغت انجازاته ومهما حظى بحب الناس، لأكثر من دورتين  انتخابيتين .. (فالسلطه المطلقه مفسدة مطلقة).
ولقد جرب المسيحيون من قبلنا وخلال فترة بعيدة  تدخل الدين فى السياسه وفى العلم، وأتضح لهم فشل تلك التجربه لذلك نأت الكنائس بنفسها منذ وقت مبكر من التدخل فى السياسة بصورة (مباشرة) ملتزمة بتعليمات المسيح التى تقول : (ما لله لله .. وما لقيصر لقيصر)، لا  كما نرى الآن يحدث فى المساجد المصريه من التيارات الإسلاميه المختلفه، من خلط شديد بين الدين والسياسة .. ولذلك نلاحظ تطورا تكنولوجيا وتقدما علميا واستقرارا سياسيا ورخاء أقتصاديا ونجاحات واضحة فى معظم الدول الغربية، التى لا يتدخل الدين فيها بصورة مباشرة فى السياسة أو فى مؤسسات (الدوله) وتتمتع شعوبها بقدرعال من الحريه السياسية والعدالة الأجتماعية وتتمتع بالأمن والرفاهية والسلام الأجتماعى ويقل فى اوساطها النفاق والظلم وتبعا لذلك يقل العنف ويسود القانون.
وللأسف ومهما ثبت فشل (الفكر) الأسلاموى الذى يخلط الدين بالسياسة، فأنك تسمع للمبررات (المعلبه) والمحفوظه والتى تقول أن (المنهج) سليم والخطأ والقصور يكمنان فى تطبيق من يتبنونه، ولذلك يجب الا تتم محاكمة المنهج، بل أن يحاكم وينتقد من تبنوا ذلك (المنهج) واخطاءوا، وهذه ازدواجية فى الفهم والمعايير، غير موضوعية فمن جانب تجدهم يقولون بعدم جواز عزل الحكم (المسلم) واسقاطه ومن جانب آخر يرفضون  محاكمة المنهج، الذى يتبناه ذلك الحاكم الفاشل المستبد.
فى هذه المسألة  أجد نفسى ضد محاكمة التاريخ، لكنى كذلك ضد استدعاء التاريخ (ليحكم) الحاضر، بكلما فيه من نواقص وسلبيات وعجز وعدم اتساق أو مواءمة مع العصر وثقافته وروحه.
ولا أدرى كيف يكون منهجا سليما يمكن أن يحل مشاكل الناس، طالما لم تظهر منه نماذج لممارسات ناجحة الا فى (اضيق) الحدود وعند بداياته الأولى وخلال تجربه أو تجربتين على الأكثر طيلة تاريخه الذى يزيد عن 1400 سنة، مع تجاوزنا للعديد من المواقف التى يمكن رفضها أو التحفظ عليها حتى من بين تلك النماذج المشرقه التى التزمت به، اما اذا رصدنا التجاوزات والعنف والغدر والقهر وعدم احترام العهود والمواثيق وسفك الدماء والفساد بواسطة الحكام والأمراء الذين تبنوه ومعاونيهم والفشل الذى لازمهم، فسوف تشيب روؤس الولدان من هول ما حدث.
وكيف يكون منهجا سليما وصالحا لهذا العصر وهو يميز تمييزا واضحا وسافرا بين البشر بسبب دينهم (مسلم ومسيحى) وبسبب نوعهم (ذكر وأنثى)، والقصاص فى ذلك التشريع كان يقوم على مبدأ ربما كان مقبولا فى ذلك الزمان، لا يصلح أو يناسب زماننا هذا، عبر عنه القرءان بآية تقول :(العبد بالعبد والحر بالحر)؟ اى اذا قتل فى معركه (عبد) بسيف سيد (حر)، فأن القصاص يكون فى (عبد) مثله ينتقى من القبيله التى قتلته، لا فى السيد (الحر) القاتل الفعلى.
وكل من حاول الدفاع عن ذلك المنهج الذى فرض على الناس فى القرن السابع والذى تسعى تيارات الإسلام السياسى لتعميمه على العالم كله فى العصر الحديث، عجز وفشل ولم يقدم دفعا مقنعا وأتجه مباشرة (لشماعة) أنه تشريع الله وحكمه ونحن مأمورون بتطبيق حكم الله وشرعه ويجب أن يتوقف الفكر فى هذا الجانب، مع أن (الأله) فى الأسلام والقرآن يطالب خلقه كثيرا بالتفكر واستخدام العقل ..  وتشريع الله وحكمه كما ذكرت من قبل، هو (العدل)، وقد نزلت فى ذلك الكثير من الآيات القرآنيه ولا يمكن أن يرفض انسان مهما كانت ديانته (العدل)، وفى ذات الوقت لا يمكن أن يقال بأن العدل متوفر فى مجتمع من المجتمعات، اذا تحققت المساواة، (فقط) بين المواطنين الذين يعتنقون دينا مشتركا (الأسلام) مثلا أو فكرا مشتركا، كفكر( الأخوان المسلمين) وأنما يتحقق العدل بالمساواة الكامله بين المواطنين المنتمين لدين تعتنقه أكثرية أو أصحاب الفكر المهيمن (والحاكم) وبين المختلفين معهم الذين ينتمون لدين آخر أو فكر آخر، مهما قل عددهم، ولا يمكن أن يتحقق العدل الا اذا تمتعت تلك الأقليات بحرياتها وحقوقها السياسيه والمدنيه والدينيه كامله دون نقصان مهما كان دينهم أى أن يتمتعوا بحق (المواطنه) المتساويه وهذا ما لا تعترف به (أحكام) تلك (الشريعه) وفقهها الذى تتبناه تيارات الإسلام السياسى وأن اظهروا نوعا من تقبلهم لذلك الحق من اجل تجنب المواجهة مع المجتمع الدولى الذى يرفض التمييز تحت اى مصوغ أو من اجل الفوز فى الأنتخابات، وما هو اعجب من ذلك كله ان (المسلمين) انفسهم الذين لا ينتمون لهذه (التيارات) الأسلامويه، لا يحظون بعدالة وأنصاف وقدر من الأحترام، فى دولة تحكم فيها تلك (الشريعة) ويوصفون بأنهم كفارا ومشركين لأنهم يلتزمون فكرا ديمقراطيا أو ليبراليا أو اشتراكيا أو حتى يمينيا، كما راينا فى السودان و(التمكين) الذى أنتهجه (الأخوان المسلمون) هناك لأنفسهم وأتباعهم وحلفائهم خلال 23 سنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق