منع من (النشر): الإسلام فى خطر كبير اذا لم تراجع ثوابته المدعاة!
مواصلة فى العمل الفكرى والثقافى وقضايا (التنوير) التى تؤدى الى (التغيير) الصحيح، نطرق هذا الباب الذى نعلم أنه خطر، أملته الضرورة وما نشهده من تفش للعنف والإرهاب والتطرف وتمدد لجماعة (داعش)، وكل ذلك يتم بإسم الدين والإسلام ولا يجد (المتطرفون) من يواجههم (فكريا) ويكشف زيفهم، حيث يكتفى الكثيرون بترديد عبارات (ببغاوية)، مثل ديننا يدعو للتسامح والمحبة .. وشريعتنا تحقق (العدل) ، و(الدواعش) لديهم نصوص وإدلة (قطعية) لقطع الرقاب!
يقول الحديث النبوى (إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيات الله بقوم، يخطئون ويستغفرون، فيغفر لهم). والإستغفار المطلوب ليس فقط هو الذى يتم برفع الإيادى وتمتمة بالشفاه كما يظنه الكثيرون عند حدوث الخطأ أوعقب كل صلاة، بل يعنى المراجعة المستمرة والتراجع عن الأخطاء والإعتراف بها وتصحيحها، فما كان حقا بالأمس اصبح باطل فيما بعد بل تحول الى فعل مجرم ، وهذا يحدث فى جانب النظريات (العلمية) الدنيوية، دعك من جانب الأحكام والشرائع (الدينية) فهى اولى (بالتغيير) والتطور المستمر، لأن رب العزة وصف نفسه قائلا (كل يوم هو فى شأن)، وحتى نقرب المسألة أكثر فإن (التشريع) فى زمن ابونا آدم كان يحلل زواج الأخ من أخته التى تخرج معه من بطن واحدة وفى وقت واحد، لعدم توفر النساء وقتها ولضرورة التكاثر، حتى تحول الأمر الى التحريم رويدا رويدا الى ما سمى بزواج المحارم، الذى كان (حلالا) قبل ظهور الإسلام، بقليل وقد ذهب العلم لأبعد من ذلك، حيث فضل الزواج من الأبعد لا الأقرب لكى تقل الأمراض الوراثية وتنعدم.
لقد ظللنا نؤكد ونكرر ولا نمل التكرار وفى أكثر من مقال بأن الخليفة الثانى (عمر بن الخطاب) وهو أهم شخصية فى التاريخ الإسلامى كله، بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) و(ابى بكر الصديق)، قد (أجتهد) فيما فيه (نص) أى فيما هو (قطعى الدلالة قطعى الثبوت) وهو فى الآخر ومهما كانت مكانته إنسان عادى لا يأتيه (وحى) بخبر السماء، أقدم (عمر) على تلك (الإجتهادات) من أجل تحقيق مصلحة عامة، لا لشخصه وانما للناس وللإسلام، حيث (عطل) فى المرة الأولى حدا من حدود الله وهو حد (السرقة) فى زمن المجاعة، ثم فى المرة الثانية (أبطل) نهائيا أمرا (الهيا) نزلت فيه آية لم يبطله الرسول ولا من بعده خليفته الأول (أبو بكر)، وهو نصيب (المؤلفة) قلوبهم فى مال الزكاة، تقول الآية "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". وجهة نظرى التى لا الزم بها أحدا فى تلك المسألة أن (عمر) بخلاف إنتشار الإسلام وأنه أصبح فى غير حاجه لمن يغريهم ويحفزهم بالدخول فيه (بالمال)، أنه اراد أن (يغلق) بابا (للنفاق) ما أكثره هذه الأيام نتيجة للأموال التى تبذل للأرزقية والمأجورين، الذين لا تتستهويهم (الفكرة) وأنما (المال)!
الشاهد فى الأمر أن المراجعة التى نقصدها يجب أن تكون فى (الثوابت) والمفاهيم التى ظلت سائدة لقرابة 1500 سنة، لا أن تكون عن طريق الغش والخداع وخبط (عشواء) أو حالة (مزاجية) أو (تقية) أو (فقه ضرورة) كما يفعل الدكتور/ حسن الترابى وغيره ممن يقال عنهم (علماء) أو (مفكرين) هذه الأيام ، (المراجعة) يجب أن تكون عمل (علمى) جاد وصادق ومخلص تتم من خلاله تلك المراجعات المقنعة وفق (منهج) و(مرجعية) واضحه تعيد (الإسلام) الى ايامه الأولى فى (مكة) والى (أصوله) وأن يحتذى فى ذلك بالعمل الذى قام به (عمر بن الخطاب) دون الخوف أو الشعور بالخجل.
فهذا عصر العلم والبحث والإقناع، لذلك حينما لم يتوفر علم (مقنع)، أتجه عدد كبير من الذين تملكتهم (الحيرة) وتاهت بهم السبل ومن بينهم طلاب علم فى أعلى المستويات الى (الدواعش) والى عالم التطرف والإرهاب، للأسف ماتوا على سوء الخاتمة، حيث لا تصح (المجاملة) فى هذا الأمر ولا يمكن أن يطلق عليهم (شهداء) فيلتحق بالمتطرفين عدد آخر.
مرة أخرى نؤكد بأننا لا نستخف أو نستهزأ بتلك الآيات ولا ينبغى لنا ذلك ولا نطالب بشطبها من المصحف أو التوقف عن تلاوتها أو التعبد بها، وفى ذات الوقت لا نتبع أسلوبا خاطئا ومهلكا لجأ اليه الكثيرون بحسن نية (لتجميل) وجه (الإسلام) بالتشكيك فى صحة بعض الأحاديث أو تضعيفها كما يفعل المفكر المصرى الذى نقدره (إسلام البحيرى) لأن الإسلام لا يتنكر (للواقع) الذى يعيش فيه الناس فى اى زمان من الأزمنة، ولا يتصادم سريعا مع كثير من العادات والثقافات السائدة بل يعمل للأفضل وللتخلص سريعا مما هو (غليظ) فى قبحه مثل نكاح (المحارم) ثم يبدأ تدريجيا بالتخلص من قبح أقل يمكن (الصبر) عليه حتى لا ينفر الناس ويصبحوا زاهدين فى ذلك الدين، الشئ الآخر الذى يجعلنا لأنميل الى فكرة (تضعيف) بعض الأحاديث لأن الناس الذين وردت على السنتهم تلك الأحاديث، قد نتفق مع الكثيرين بأنهم ليسوا (علماء) بالمعنى المعروف اليوم بل هم اناس بسطاء (مجتهدين)، كانوا يتنقلون على ظهور الحمير والبغال، من أجل الحصول على معلومة قيمتها (متواضعة) قد تكلفهم سفرا يستغرق ثلاثة أشهر أو أكثر، لكن من المؤكد انهم لم يكونوا (كاذبين) أو مختلقين للأحداث، فى زمن لم يعرف أهله الكذب الا فى حالات نادرة، تعرض فيها الشخص لخطر يمكن أن يقضى على حياته وأصبح بذلك (مكرها) من حقه أن يستجيب لمن يكرهونه على أمور لا أظن من ضمنها (إختلاق) رواية حديث، رغم ذلك فقد صمد الكثيرون وتحملوا ابشع انواع التعذيب ثابتين على مواقفهم وما يؤمنون به مثل الصوفى (الحلاج) الذى قيل كانت اطرافه تقطع ودماءه تسيل وهو يبتسم ويردد (التصوف ادناه هكذا)، حتى قاضت روحه الطاهرة، ورجل على ذلك القدر لا يزال يشتمه شذاذ الأفاق واصحاب النفوس المتكدرة والعقد المزمنة والمشوهين ومجروحى الذوات.
نحن نقول بأن تلك الآيات التى يجب أن يوقف العمل بأحكامها ومعها الأحاديث المشابهة لها، على أن تبقى فى مكانها مقدسة ومحترمة، يتذكر بها الناس فترة من الزمان كانت صالحة له وتناسب ثقافة تلك الأمم وعاداتهم وكما ذكرت فى أكثر من مرة كان الواحد منهم يتبول داخل المسجد والرسول (صلى الله عليه وسلم) جالس بين صحابته.
خذ مثلا آية القصاص التى تقول (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) .. ودون الدخول فى تفاصيل المعنى المراد أو التفسير ونحن ندرك أن (العبودية) والأسترقاق وحتى وقت قريب جدا كانت سلوكا (قبيحا) لكنه سائد وكان امرا عاديا لا ينفر منه الناس بل كان موردا اقنصاديا ، لكن هل يستطيع إنسان يمتلك أدنى قدر من الحس والشعور (الإنسانى) أن ينطق بمثل هذه الكلمة الآن وأن يوافق على إستعباد الآخرين وإسترقاقهم، لا أظن ذلك قولا واحدا .. فإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك بدون أدنى شك، فهل توجد مشكلة أذا ابقى المسلمون على تلك الآية وتعبدوا بها فى صلاتهم وتلاوتهم، لكنهم اعترفوا بأن معناها وحكمها أصبح منعدما مثل (الكفارة) التى تتحدث عن (عتق رقبة مؤمنة)، هل توجد مشكلة فى ذلك، أم لابد من أن نترك للفكر (الداعشى) مبررات يسترقون من خلالها البشر ويسبون النساء ويبيعوهن على قارعة الطريق بأبخس ثمن؟
هل هنالك مشكلة فى ابطال الحكم الوارد فى آية (الجهاد) والتى تقول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)، ومعنى الآية واضح ، لكن (البعض) يحاول أن يلتف على المعنى ويراوغ ويدعى أنها تستخدم فى وقت (الحرب) ، ومعانيها ومقاصدها يستخدمها (الدواعش) ويستخدمها (الأسلامويون) فى دول (الغرب) متى ما أرادوا تفجير موقع وفى اى مكان دون أن تكون لهم خصومة مسبقة مع المجموعة التى فجروها وقتلوا منها عددا ، ويستخدمها (الأسلامويون) فى مواجهة (الدولة) المصرية ويقتلون مسلمين وغير مسلمين بسبب ثورة الشعب المصرى على (الإخوان المسلمين) والإطاحة بهم .. لماذا لا يتغير هذا الفهم عن (الجهاد) طالما كانت هنالك اشارة أو (لمحة) لطيفة وردت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عرف فيها (الجهاد) الحقيقى بأنه جهاد النفس لا جهاد السيف والقتبلة والكلاشنكوف الذى يقتل من يستهدفه (الأسلامويون) ومن وضعه حظه التعيس بجانب ذلك المستهدف من أى دين كان.
لماذا لا ينظر (المسلمون) الذين يدعون (الإعتدال) فى معنى جديد للآية التى تقول:
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
فمن خلال معناها ذلك والثابت منذ قرون قام (عمر البشير) وبموافقة من (الترابى) بقتل 28 ضابطا فى الجيش السودانى خلال ساعات معدودة، لأنهم فى نظر (الإتقاذ) لم يخططوا للإطاحة بنظام (عمر البشير) وأنما هم مفسدون حاربوا الله ورسوله، فجزاءهم ما جرى لهم، وتبع ذلك كل قتل وقع فى حق أى شهيد تصدى لنظام الإنقاذ ,, وأستخداما لمعانى تلك الآية خرج دكتور مصرى (أزهرى) اسمه (محمود شعبان) خلال فترة حكم (الأخوان) وأفتى بقتل حميع رموز المعارضة المصرية، وقرأ الآية تلك ليؤكد بأنه لم يأت بالفتوى من نفسه!
وهل هنالك مشكلة فى أن يعترف (المسلمون) بأن الحكم الوارد فى الآية التى تأمرهم بأخذ (الجزية) من أخوانهم فى (الوطن) غير المسلمين، لا تناسب هذ العصر والتى تقول (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، وهل توجد لديهم مشكلة فى أن يعترفوا اذا كانوا علماء أو بسطاء، بأن الحديث الذى أمر بعدم معصية الحاكم أو الخروج عليه وكان صالحا فى زمانه واوأنه، له كل التقدير والإحترام لكن حكمه لم يعد صالحا، لأنه يؤدى الى فساد الحكام والى تشبثهم بالسلطة والى فسادهم طالما كان الخروج عليهم محرما، وهو الذى يقول (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) معلوم أن الجزيرة العربية لم تكن تعرف من قبل بسبب بعد المسافات قوم اصحاب بشرة سوداء غير (ألأحباش) المجاورين لهم ولا يفصلهم عنهم سوى البحر الأحمر، والأحباش عامة لا يختلفون عنا، اذا لم نكن وقتها شئ واحد، لكن (بالمنطق) والعقل، واذا اصر المسلمون اليوم على المعنى الوارد فى الحديث، و قيل فى شرح الحديث ان القصد من (كأن رأسه ذبيبة) دعك من (عبد حبشى) تعبيرا عن المزيد من التحقير والإزدراء، فهل لو شرح هذا (الحديث) لأخوتنا الأثيوبيين واصر (المسلمون) عليه وأظهروا اعجابهم به، هل كان متوقعا أن نجد فى اثيوبيا أكثر من 30 مليون مسلم؟ وهل اذا اصر المسلمون فى الوقت الحاضر على صلاحية المعنى الوارد فى آية (الجزية) ، أن يقوم بناء على ذلك المعنى زير شئون المغتربين فى (الدولة الإسلامية) القادمة بتخصيص لجنة من (المتشددين) تستلم (الجزية) لا (الضريبة) من المغتربين السودانيين المسيحيين، وبعد أن تستلمها منهم لا تحرر لهم ايصالا ماليا، بل تبصق على وجوههم لكى يكون إستلام تلك الجزية قد تم بالمزيد من التحقير والإزدراء، هل هذا يعقل فى هذا الزمان الذى لا يتعامل اهله بثقافة من غلب سلب، ولا يحتاجون لوأد بناتهم، حيث لا تغير قبيلة على قبيلة أخرى وتأخذ نساءها جوارى وسبايا؟
بغير هذه المواجهة الشجاعة والإعتراف الصريح ورفع الروؤس الى أعلى بدلا من دفنها تحت الرمال، وعدم الميل للغش والخداع بترديد كلمات حق يراد بها باطل، مثل ديننا دين محبة وتسامح .. وديننا دين سلام .. والنساء شقائق الرجال .. وحديث عن حقوق اهل الذمة ... الخ نلك العبارات الجوفاء التى يرددها من يقال عنهم (علماء) فى وقت يستخدم فيه (الدواعش) معانى تلك النصوص وتفسيراتها لتبرير أفعالهم القبيحه وهم كل يوم فى ازدياد، حتى ظن بعض (الجهلاء) والسذج أنهم على الحق وهم لا يعرفون بأنهم مزودين بفتاوى (ابن تيمية) و(محمد بن عبد الوهاب) و(ابو الأعلى المودودى) و (سيد قطب) وباقى رفاقهم، ومن لا يحارب مع (الدواعش) هذه الأيام بشخصه فهو معهم بوجدانه ويمدهم بالمال والسلاح، لأنهم مثلهم يؤمنون بتلك النصوص وبصلاحية احكامها حتى اليوم بل يعتبرون من يرفض ذلك كافر وهالك ومرتد لا فرق بينه وبين المنتمين لدين آخر.
الفكر والمرجعية التى تخارج المسلمين من هذا (الوباء) الذى أستشرى والذى يهدد دينهم موجود، فقط يحتاج من الناس الى التحلى بقدر من الشجاعة والمسوؤلية حتى لا يأتى يوم نجد داخل كل بيت (داعشى) بل أكثر من ذلك، ولكى يخرجوا من الورطة التى هم فيها الآن، (بالحق) وأن يبقى الإسلام محفوظا الى جانب باقى الأديان التى تدعو للحرية وللسلام وللعدل والمساواة ولا يوصف بإنه دين يحرض على التطرف والإرهاب. اللهم هل بلغت اللهم فأشهد.
تاج السر حسين – royalprince33@yahoo.com
مواصلة فى العمل الفكرى والثقافى وقضايا (التنوير) التى تؤدى الى (التغيير) الصحيح، نطرق هذا الباب الذى نعلم أنه خطر، أملته الضرورة وما نشهده من تفش للعنف والإرهاب والتطرف وتمدد لجماعة (داعش)، وكل ذلك يتم بإسم الدين والإسلام ولا يجد (المتطرفون) من يواجههم (فكريا) ويكشف زيفهم، حيث يكتفى الكثيرون بترديد عبارات (ببغاوية)، مثل ديننا يدعو للتسامح والمحبة .. وشريعتنا تحقق (العدل) ، و(الدواعش) لديهم نصوص وإدلة (قطعية) لقطع الرقاب!
يقول الحديث النبوى (إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيات الله بقوم، يخطئون ويستغفرون، فيغفر لهم). والإستغفار المطلوب ليس فقط هو الذى يتم برفع الإيادى وتمتمة بالشفاه كما يظنه الكثيرون عند حدوث الخطأ أوعقب كل صلاة، بل يعنى المراجعة المستمرة والتراجع عن الأخطاء والإعتراف بها وتصحيحها، فما كان حقا بالأمس اصبح باطل فيما بعد بل تحول الى فعل مجرم ، وهذا يحدث فى جانب النظريات (العلمية) الدنيوية، دعك من جانب الأحكام والشرائع (الدينية) فهى اولى (بالتغيير) والتطور المستمر، لأن رب العزة وصف نفسه قائلا (كل يوم هو فى شأن)، وحتى نقرب المسألة أكثر فإن (التشريع) فى زمن ابونا آدم كان يحلل زواج الأخ من أخته التى تخرج معه من بطن واحدة وفى وقت واحد، لعدم توفر النساء وقتها ولضرورة التكاثر، حتى تحول الأمر الى التحريم رويدا رويدا الى ما سمى بزواج المحارم، الذى كان (حلالا) قبل ظهور الإسلام، بقليل وقد ذهب العلم لأبعد من ذلك، حيث فضل الزواج من الأبعد لا الأقرب لكى تقل الأمراض الوراثية وتنعدم.
لقد ظللنا نؤكد ونكرر ولا نمل التكرار وفى أكثر من مقال بأن الخليفة الثانى (عمر بن الخطاب) وهو أهم شخصية فى التاريخ الإسلامى كله، بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) و(ابى بكر الصديق)، قد (أجتهد) فيما فيه (نص) أى فيما هو (قطعى الدلالة قطعى الثبوت) وهو فى الآخر ومهما كانت مكانته إنسان عادى لا يأتيه (وحى) بخبر السماء، أقدم (عمر) على تلك (الإجتهادات) من أجل تحقيق مصلحة عامة، لا لشخصه وانما للناس وللإسلام، حيث (عطل) فى المرة الأولى حدا من حدود الله وهو حد (السرقة) فى زمن المجاعة، ثم فى المرة الثانية (أبطل) نهائيا أمرا (الهيا) نزلت فيه آية لم يبطله الرسول ولا من بعده خليفته الأول (أبو بكر)، وهو نصيب (المؤلفة) قلوبهم فى مال الزكاة، تقول الآية "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". وجهة نظرى التى لا الزم بها أحدا فى تلك المسألة أن (عمر) بخلاف إنتشار الإسلام وأنه أصبح فى غير حاجه لمن يغريهم ويحفزهم بالدخول فيه (بالمال)، أنه اراد أن (يغلق) بابا (للنفاق) ما أكثره هذه الأيام نتيجة للأموال التى تبذل للأرزقية والمأجورين، الذين لا تتستهويهم (الفكرة) وأنما (المال)!
الشاهد فى الأمر أن المراجعة التى نقصدها يجب أن تكون فى (الثوابت) والمفاهيم التى ظلت سائدة لقرابة 1500 سنة، لا أن تكون عن طريق الغش والخداع وخبط (عشواء) أو حالة (مزاجية) أو (تقية) أو (فقه ضرورة) كما يفعل الدكتور/ حسن الترابى وغيره ممن يقال عنهم (علماء) أو (مفكرين) هذه الأيام ، (المراجعة) يجب أن تكون عمل (علمى) جاد وصادق ومخلص تتم من خلاله تلك المراجعات المقنعة وفق (منهج) و(مرجعية) واضحه تعيد (الإسلام) الى ايامه الأولى فى (مكة) والى (أصوله) وأن يحتذى فى ذلك بالعمل الذى قام به (عمر بن الخطاب) دون الخوف أو الشعور بالخجل.
فهذا عصر العلم والبحث والإقناع، لذلك حينما لم يتوفر علم (مقنع)، أتجه عدد كبير من الذين تملكتهم (الحيرة) وتاهت بهم السبل ومن بينهم طلاب علم فى أعلى المستويات الى (الدواعش) والى عالم التطرف والإرهاب، للأسف ماتوا على سوء الخاتمة، حيث لا تصح (المجاملة) فى هذا الأمر ولا يمكن أن يطلق عليهم (شهداء) فيلتحق بالمتطرفين عدد آخر.
مرة أخرى نؤكد بأننا لا نستخف أو نستهزأ بتلك الآيات ولا ينبغى لنا ذلك ولا نطالب بشطبها من المصحف أو التوقف عن تلاوتها أو التعبد بها، وفى ذات الوقت لا نتبع أسلوبا خاطئا ومهلكا لجأ اليه الكثيرون بحسن نية (لتجميل) وجه (الإسلام) بالتشكيك فى صحة بعض الأحاديث أو تضعيفها كما يفعل المفكر المصرى الذى نقدره (إسلام البحيرى) لأن الإسلام لا يتنكر (للواقع) الذى يعيش فيه الناس فى اى زمان من الأزمنة، ولا يتصادم سريعا مع كثير من العادات والثقافات السائدة بل يعمل للأفضل وللتخلص سريعا مما هو (غليظ) فى قبحه مثل نكاح (المحارم) ثم يبدأ تدريجيا بالتخلص من قبح أقل يمكن (الصبر) عليه حتى لا ينفر الناس ويصبحوا زاهدين فى ذلك الدين، الشئ الآخر الذى يجعلنا لأنميل الى فكرة (تضعيف) بعض الأحاديث لأن الناس الذين وردت على السنتهم تلك الأحاديث، قد نتفق مع الكثيرين بأنهم ليسوا (علماء) بالمعنى المعروف اليوم بل هم اناس بسطاء (مجتهدين)، كانوا يتنقلون على ظهور الحمير والبغال، من أجل الحصول على معلومة قيمتها (متواضعة) قد تكلفهم سفرا يستغرق ثلاثة أشهر أو أكثر، لكن من المؤكد انهم لم يكونوا (كاذبين) أو مختلقين للأحداث، فى زمن لم يعرف أهله الكذب الا فى حالات نادرة، تعرض فيها الشخص لخطر يمكن أن يقضى على حياته وأصبح بذلك (مكرها) من حقه أن يستجيب لمن يكرهونه على أمور لا أظن من ضمنها (إختلاق) رواية حديث، رغم ذلك فقد صمد الكثيرون وتحملوا ابشع انواع التعذيب ثابتين على مواقفهم وما يؤمنون به مثل الصوفى (الحلاج) الذى قيل كانت اطرافه تقطع ودماءه تسيل وهو يبتسم ويردد (التصوف ادناه هكذا)، حتى قاضت روحه الطاهرة، ورجل على ذلك القدر لا يزال يشتمه شذاذ الأفاق واصحاب النفوس المتكدرة والعقد المزمنة والمشوهين ومجروحى الذوات.
نحن نقول بأن تلك الآيات التى يجب أن يوقف العمل بأحكامها ومعها الأحاديث المشابهة لها، على أن تبقى فى مكانها مقدسة ومحترمة، يتذكر بها الناس فترة من الزمان كانت صالحة له وتناسب ثقافة تلك الأمم وعاداتهم وكما ذكرت فى أكثر من مرة كان الواحد منهم يتبول داخل المسجد والرسول (صلى الله عليه وسلم) جالس بين صحابته.
خذ مثلا آية القصاص التى تقول (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) .. ودون الدخول فى تفاصيل المعنى المراد أو التفسير ونحن ندرك أن (العبودية) والأسترقاق وحتى وقت قريب جدا كانت سلوكا (قبيحا) لكنه سائد وكان امرا عاديا لا ينفر منه الناس بل كان موردا اقنصاديا ، لكن هل يستطيع إنسان يمتلك أدنى قدر من الحس والشعور (الإنسانى) أن ينطق بمثل هذه الكلمة الآن وأن يوافق على إستعباد الآخرين وإسترقاقهم، لا أظن ذلك قولا واحدا .. فإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك بدون أدنى شك، فهل توجد مشكلة أذا ابقى المسلمون على تلك الآية وتعبدوا بها فى صلاتهم وتلاوتهم، لكنهم اعترفوا بأن معناها وحكمها أصبح منعدما مثل (الكفارة) التى تتحدث عن (عتق رقبة مؤمنة)، هل توجد مشكلة فى ذلك، أم لابد من أن نترك للفكر (الداعشى) مبررات يسترقون من خلالها البشر ويسبون النساء ويبيعوهن على قارعة الطريق بأبخس ثمن؟
هل هنالك مشكلة فى ابطال الحكم الوارد فى آية (الجهاد) والتى تقول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)، ومعنى الآية واضح ، لكن (البعض) يحاول أن يلتف على المعنى ويراوغ ويدعى أنها تستخدم فى وقت (الحرب) ، ومعانيها ومقاصدها يستخدمها (الدواعش) ويستخدمها (الأسلامويون) فى دول (الغرب) متى ما أرادوا تفجير موقع وفى اى مكان دون أن تكون لهم خصومة مسبقة مع المجموعة التى فجروها وقتلوا منها عددا ، ويستخدمها (الأسلامويون) فى مواجهة (الدولة) المصرية ويقتلون مسلمين وغير مسلمين بسبب ثورة الشعب المصرى على (الإخوان المسلمين) والإطاحة بهم .. لماذا لا يتغير هذا الفهم عن (الجهاد) طالما كانت هنالك اشارة أو (لمحة) لطيفة وردت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عرف فيها (الجهاد) الحقيقى بأنه جهاد النفس لا جهاد السيف والقتبلة والكلاشنكوف الذى يقتل من يستهدفه (الأسلامويون) ومن وضعه حظه التعيس بجانب ذلك المستهدف من أى دين كان.
لماذا لا ينظر (المسلمون) الذين يدعون (الإعتدال) فى معنى جديد للآية التى تقول:
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
فمن خلال معناها ذلك والثابت منذ قرون قام (عمر البشير) وبموافقة من (الترابى) بقتل 28 ضابطا فى الجيش السودانى خلال ساعات معدودة، لأنهم فى نظر (الإتقاذ) لم يخططوا للإطاحة بنظام (عمر البشير) وأنما هم مفسدون حاربوا الله ورسوله، فجزاءهم ما جرى لهم، وتبع ذلك كل قتل وقع فى حق أى شهيد تصدى لنظام الإنقاذ ,, وأستخداما لمعانى تلك الآية خرج دكتور مصرى (أزهرى) اسمه (محمود شعبان) خلال فترة حكم (الأخوان) وأفتى بقتل حميع رموز المعارضة المصرية، وقرأ الآية تلك ليؤكد بأنه لم يأت بالفتوى من نفسه!
وهل هنالك مشكلة فى أن يعترف (المسلمون) بأن الحكم الوارد فى الآية التى تأمرهم بأخذ (الجزية) من أخوانهم فى (الوطن) غير المسلمين، لا تناسب هذ العصر والتى تقول (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، وهل توجد لديهم مشكلة فى أن يعترفوا اذا كانوا علماء أو بسطاء، بأن الحديث الذى أمر بعدم معصية الحاكم أو الخروج عليه وكان صالحا فى زمانه واوأنه، له كل التقدير والإحترام لكن حكمه لم يعد صالحا، لأنه يؤدى الى فساد الحكام والى تشبثهم بالسلطة والى فسادهم طالما كان الخروج عليهم محرما، وهو الذى يقول (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) معلوم أن الجزيرة العربية لم تكن تعرف من قبل بسبب بعد المسافات قوم اصحاب بشرة سوداء غير (ألأحباش) المجاورين لهم ولا يفصلهم عنهم سوى البحر الأحمر، والأحباش عامة لا يختلفون عنا، اذا لم نكن وقتها شئ واحد، لكن (بالمنطق) والعقل، واذا اصر المسلمون اليوم على المعنى الوارد فى الحديث، و قيل فى شرح الحديث ان القصد من (كأن رأسه ذبيبة) دعك من (عبد حبشى) تعبيرا عن المزيد من التحقير والإزدراء، فهل لو شرح هذا (الحديث) لأخوتنا الأثيوبيين واصر (المسلمون) عليه وأظهروا اعجابهم به، هل كان متوقعا أن نجد فى اثيوبيا أكثر من 30 مليون مسلم؟ وهل اذا اصر المسلمون فى الوقت الحاضر على صلاحية المعنى الوارد فى آية (الجزية) ، أن يقوم بناء على ذلك المعنى زير شئون المغتربين فى (الدولة الإسلامية) القادمة بتخصيص لجنة من (المتشددين) تستلم (الجزية) لا (الضريبة) من المغتربين السودانيين المسيحيين، وبعد أن تستلمها منهم لا تحرر لهم ايصالا ماليا، بل تبصق على وجوههم لكى يكون إستلام تلك الجزية قد تم بالمزيد من التحقير والإزدراء، هل هذا يعقل فى هذا الزمان الذى لا يتعامل اهله بثقافة من غلب سلب، ولا يحتاجون لوأد بناتهم، حيث لا تغير قبيلة على قبيلة أخرى وتأخذ نساءها جوارى وسبايا؟
بغير هذه المواجهة الشجاعة والإعتراف الصريح ورفع الروؤس الى أعلى بدلا من دفنها تحت الرمال، وعدم الميل للغش والخداع بترديد كلمات حق يراد بها باطل، مثل ديننا دين محبة وتسامح .. وديننا دين سلام .. والنساء شقائق الرجال .. وحديث عن حقوق اهل الذمة ... الخ نلك العبارات الجوفاء التى يرددها من يقال عنهم (علماء) فى وقت يستخدم فيه (الدواعش) معانى تلك النصوص وتفسيراتها لتبرير أفعالهم القبيحه وهم كل يوم فى ازدياد، حتى ظن بعض (الجهلاء) والسذج أنهم على الحق وهم لا يعرفون بأنهم مزودين بفتاوى (ابن تيمية) و(محمد بن عبد الوهاب) و(ابو الأعلى المودودى) و (سيد قطب) وباقى رفاقهم، ومن لا يحارب مع (الدواعش) هذه الأيام بشخصه فهو معهم بوجدانه ويمدهم بالمال والسلاح، لأنهم مثلهم يؤمنون بتلك النصوص وبصلاحية احكامها حتى اليوم بل يعتبرون من يرفض ذلك كافر وهالك ومرتد لا فرق بينه وبين المنتمين لدين آخر.
الفكر والمرجعية التى تخارج المسلمين من هذا (الوباء) الذى أستشرى والذى يهدد دينهم موجود، فقط يحتاج من الناس الى التحلى بقدر من الشجاعة والمسوؤلية حتى لا يأتى يوم نجد داخل كل بيت (داعشى) بل أكثر من ذلك، ولكى يخرجوا من الورطة التى هم فيها الآن، (بالحق) وأن يبقى الإسلام محفوظا الى جانب باقى الأديان التى تدعو للحرية وللسلام وللعدل والمساواة ولا يوصف بإنه دين يحرض على التطرف والإرهاب. اللهم هل بلغت اللهم فأشهد.
تاج السر حسين – royalprince33@yahoo.com