الجزء الثالث
((خطر الأسلام السياسى على قضية المواطنه والديمقراطيه - مصر نموذجا)).
بداية ظهور فكرة الأسلام
السياسى أو تدخل الدين فى السياسة:
بالأختلاف مع رؤية
الكاتب الباكستانى (طارق نور) ، التى اشرنا اليها من قبل، فأن الدوله الإسلاميه فى
بداياتها كانت (دولة دينية)، فرسول الأسلام كما هو معلوم كان (أميا)، لا يجيد القراءة أو الكتابة ولا يمتلك خبرة سابقة فى ادارة دوله،
الا بقدر ما هو متاح له من (عرف) القبيلة العربيه فى ذلك الزمان الذى كان شعاره
(من غلب سلب) أى كانت (القوه) هى العامل الحاسم فى كآفة جوانب الصراع الدنيوى، يلجأ
اليها الأفراد وتلجأ لها القبائل لتحقيق الأنتصار بالحق أو بالباطل، اذا كان ذلك
الصراع والقتال يدور بين قبيلة وأخرى من أجل اخذ حقها عنوة وسبى نساء القبيلة
المهزومة أو اذا نشب صراع وخلاف بين ابناء القبيله الواحدة لحسم مسألة تنصيب (زعيم)
عليها أو لكى يصبح زعيما على مجموعة قبائل متحالفة مع بعضها البعض.
بعد (البعث)، اعتمد
الرسول فى ادارة مجتمعه ودولته على تلك الخبره المحدوده مضاف اليها بصورة أكبر،
التعليمات الألهية التى يأتى بها الوحى لفرض تشريعات وأحكام جديده أو مصححا لخطأ
وقع من الرسول أو من أحد اصحابه ولذلك يسمى (معصوما).
الشاهد فى الأمر أن كل
امور (الدوله) الإسلامية فى بدايتها كانت (دين) أو تستند على الدين باستثناء مواقف
قليلة جدا، ولهذا فأن تدخل الدين فى السياسة فى الدوله الإسلاميه يمكن أن تعتبر
بدايته الحقيقية مع تقلد اول (خليفه) للسلطه، رغم محاولات (ابوبكر الصديق) فى
التقيد الصارم بكل فعل كان يفعله (الرسول) وظهر ذلك فى حربه على الذين امتنعوا عن اداء
(الزكاة) وسماها حرب ردة وفى مواقف أخرى نستعرضها فى مكانها.
على كل حال، فقد ظهرهذا
الإتجاه الذى خلط الدين بالسياسة بادئ الأمر، الذى اصطلح الكثيرون على تسميته بصورة
غير دقيقة أو علمية (بألإسلام السياسى) أو (الأصولى)،fundamental
Islamicعلى
نحو غير مخطط له، أى كان وليد اللحظه أو الموقف وتصرف من زعيم أو قائد، مثلما
حدث فى صلح (الحديبيه) الذى تصرف فيه الرسول وفق رؤية (دينية) ربما كانت غير واضحه
عند اقرب اصحابه واتباعه، ولو لم تكن كذلك لراجعه الوحى وصححه كما حدث فى حالة
التعامل مع اسرى (بدر)، بينما قرأ المشهد أحد كبار المقربين منه وهو (عمر بن
الخطاب) بأنه تصرف (سياسي) ورؤية شخصية، غير(عادله)، قابلة للأخذ والرد لذلك رفض
ذلك (الصلح) بتلك الشروط بشده وقال قولته
الشهيره مخاطبا الرسول فى شئ من الحدة :(أولسنا على الحق وهم على الباطل يا رسول
الله)؟ وحينما اجابه (بنعم)، قال عمر: (فلماذا اذا نرضى بالدنئية فى ديننا)؟
وعندها انبرى له ابو بكر الصديق وقال معنفا أياه : (ويحك يأ بن الخطاب الا تعلم انه رسول ويأتيه الوحى)؟
علينا أن نتخيل ذلك
المشهد والسلوك (التسامحى) الذى رفضه رجل على مكانة (عمر) فى الإسلام، وكيف يمكن
أن يتصرف حاكم أو قائد (مسلم) يؤمن بشريعة القرن السابع، فى هذا الوقت اذا وضع فى
مثل ذلك الموقف؟ وكيف سوف يتعامل معه مؤيدوه وأتباعه، لنحكم هل يصلح ذلك (المنهج) الذى
شرع لاحقا بعد ذلك (الصلح)، وفى ظل عدم وجود (رسول) معصوم، لكى يحكم الناس على
اختلاف دياناتهم وأفكارهم فى عصرنا الحديث؟
الا يكفر المتشددون الأسلاميون، (حاكمهم)
ويهدرون دمه ويخرجونه عن المله اذا وقع مثل ذلك (الصلح) ويسعون لأغتياله كما فعلوا
بالرئيس (السادات) بعد توقيعه اتفاقية (كامب ديفيد) مع الأسرائيليين؟
مشهد آخر يمكن وصفه بأنه (سياسى) لا (دينى)، لولا ان من قام به (الرسول) بنفسه، وهو حينما قدم الرسول لفتح مكه ووقتها لم يسلم (ابوسفيان) بعد، وقد كان زعيما فى قومه فطلب منه العباس بن عبد المطلب (عم) النبى أن يسلم لكى يضمن له الأمان من (محمد) الذى كانت قواته تقف على ابواب (مكه)، وفعلا جاء العباس بابى سفيان لمحمد وأعلن اسلامه، فأنتحى العباس بالنبى جانبا وقال له : "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً" – اى جامله سياسيا أو اجتماعيا - قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن)).
وبعد وفاة الرسول وانقطاع
(الوحى) تبعا لذلك، حيث كان (صحابته) وقومه يقبلون بتعليمات وتوجيهات منه ربما لا
تقبل من خلال العقل البشري والرؤيه السياسية، لذلك واجه المسلمون فى أول اختبار مازقا
كاد أن يعصف بالدوله الأسلامية فى بداياتها وكان الموقف يحتاج الى قدر من الحكمه
والسياسة والتوافق والأقناع، للخروج منه وهو مأزق الأختلاف الحاد
الذى كادت أن تشهر فيه السيوف وتطير الروؤس لتنصيب من يستحق أن يكون أول (خليفة) للرسول
الذى لم يحدد لقومه قبل رحيله، معايير ومواصفات ذلك الخليفة ولم يوص على أسم من
يحكم بعده من اقاربه أو أصحابه وأن أشار والمح بذلك على نحو (خفئ) فى زمن أمتاز
فيه الناس بفراسة هى من سمات المجتمعات البدوية والصحراوية، حتى كان من يجيد قص
الأثر منهم يستطيع أن يميزه بفراسته على الصخرة الصماء، ولقد رويت الكثير من القصص
والحكاوى التى تكاد أن تبلغ درجة الأساطير فى هذا المجال.
على كل حال وبخلاف
المجموعة التى كانت ترى فى (على بن ابى طالب) الشخص الأحق والأصلح لمنصب الخليفه لأسباب
عديده منها انه من (أهل البيت) وأنه من نام على سرير (الرسول) وعرض نفسه للخطر
حينما اتفق أهل مكه على تشكيل عدد من فتيانهم من مختلف القبائل لقتله، وبذلك يتفرق
دمه على القبائل .. ومنها وصف الرسول له (بأنه باب مدينة العلم)، اضافة الى العديد
من المزايا الأخرى، و(على) نفسه، كان يرى بأنه الأحق بذلك (المنصب) رغم ما روى عنه
من زهد وأيثار أكدتها عبارات مثل (يا دنيا غرى غيرى) ولقد قيل بسبب ذلك، أى رؤيته
بأحقيته فى (الخلافة)، لم يبائع (ابابكر الصديق) الا بعد وفاة زوجه بنت الرسول
(فاطمه)، ولا ندرى اذا كان لها تأثير فى اتخاذه لذلك القرار خلال حياتها أم لا!
المهم فى الأمر بالأضافة
الى تلك المجموعة المؤيده (لعلى) كان هناك جمع آخر، اكثر عددا .. أحتشد فى (سقيفة
بنى ساعدة) وأحتدم الخلاف بينهم على اشده،
على من يتولى الخلافه وجسد نبيهم لا زال دافئا ومسجيا لم يوارى الثرى بعد.
وكل فريق يرى نفسه الأحق
بذلك (المنصب)، المهاجرون يرون أنهم الأحق والأنصار يرون كذلك أنهم الأكثر
استحقاقا به، فى مجتمع لا زالت فيه عنصريه قبليه حاده.
وكاد الأمر أن يحسمه
الأنصار لصالحهم وحددوا أسما بعينه
وهو (سعد بن عبادة)، فتدخل ابو بكر وأقترح عليهم حلا (سياسيا) توافقيا وقال لهم : (منا
الأمراء ومنكم الوزراء) وعندها تدخل (عمر بن الخطاب) بقوة ومن زاوية (قبليه) مقنعه
ومفهومه فى ثقافة أهل ذلك الزمان حسم بها الخلاف وهو قوله أن (زعامة) العرب وسدانة
(الكعبه)، ظلت دائما وأبدا فى قبيلة (قريش) ولذلك فأن (ابابكر الصديق) هو الأحق بمنصب
(الخليفة)، ومما أقنع القوم وزاد من فرص تقبلهم لرأيه وعدم الأعتراض عليه أن عدد
من اؤلئك (الصحابه) الذين كانوا مجتمعين وقتها وكادت أن تشهر سيوفهم، تذكروا اشارة
النبى بتكليفه للقيام بمهمة امامة المصلين عند مرضه أو غيابه، فقال اؤلئك الصحابه،
قولة رجحت كفته وحسمت الأمر نهائيا وهى: ((لقد أئتمنه الرسول على أمور ديننا افلا
نأتمنه على أمور دنيانا))؟ ذلك المشهد كما هو واضح أختلط فيه البعد (القبلى)
بالعرفى بالدينى (بالسياسى)، وأن لم يكن مقصود أو مخطط له أن يخرج على ذلك الشكل، المهم
فى الأمر أجتمع القوم على (خلافة)
ابى بكر الصديق بعد أن كادوا أن يقتتلوا وخطب فيهم خطبته المشهوره، (وليت عليكم
ولست بخيركم)، وتلك خطبة ربما كانت دينيه فى معظم جوانبها، لكنها لم تخلو من
اشارات (سياسية) و(أرضائيه).
بعد وفاة (ابو بكر
الصديق) الذى حكم لمدة عامين، خلفه من رشحه فى المرة الأولى، (عمر بن الخطاب)،
وسارت أمور (الدولة الأسلامية) على نحو أعتيادى دون مشاكل أو خلافات عميقة وتوسعت،
كثيرا ربما يرجع السبب فى ذلك لقوة شخصية عمر وحزمه، وربما لعدله – وهذا هو الجانب
الأهم - بمقاييس ذلك الزمان كما حكت عنه الروايات، لكن رغم ذلك كله مات (عمر) مقتولا،
مثلما قتل من توليا الخلافة والحكم من بعده وهما عثمان بن عفان وعلى بن ابى طالب ..
ومن المواقف (السياسية) المختلطه بالرؤية الدينيه، ولسبب كان يعلمه (عمر) وحده وربما
الى جانبه عدد قليل من الصحابة، أن (عمر) كان يلح بشدة واصرار على (ابى بكر) لعزل
خالد بن الوليد الذى كان من امهر القادة الحربيين فى التاريخ الأسلامى، لكن ابوبكر
كان يرفض طلبه بأستمرار ويرد عليه، بأنه لن يغمد سيفا استله رسول الله، وهذا موقف
مبنى على رؤية دينية صرفة، لا تهتم بأى سبب دنيوى أو سياسى، يجعله يوافق على عزل
(خالد).
لكن حينما آلت الخلافة والسلطه
(لعمر) كان اول قرار اتخذه هو عزل خالد بن الوليد وهذا قرار (سياسى) لأنه خالف
مافعله الرسول الذى يعتبر فعله وقوله وأقراره (سنة) لها مكانتها المرموقة فى
التشريع الأسلامى، وبالطبع خالف (عمر) موقف اصر عليه (ابو بكر)، لايستطيع أن يخالف
مثله كثير من المسلمين بل كلهم خاصة فى العصر الحديث.
ومن القرارات السياسية التى
اتخذها (عمر) وأن كان فيها بعد (أقتصادى) أكثر منه ديني، هو قراره بتجميد حد
السرقة أى وقف الحكم الشرعى الذى يقضى (بقطع يد السارق) أو دعنا نقل تعطيله أو
الغائه نهائيا كما تقول بعض الأراء بسبب المجاعة التى ضربت المجتمع وقتها فى العام
الذى عرف بعام (الرمادة)، والآن كل من فكر فى فرض (شريعة) القرن السابع، يبدأ
بالجلد والقطع كما راينا فى العديد من التجارب، والغرض من وراء ذلك ارهاب الناس
وقمعهم ومنعهم من مواجهة الأنظمه التى تتدعى انها اسلاميه. موقف آخر يستحق الكثير
من التأمل، أوقف فيه (عمر) منح من يسمون (بالمؤلفة قلوبهم) نصيبهم المنصوص عليه
شرعا فى مال الزكاة، وقال أن الإسلام اصبح قويا
وراسخا ولا يحتاج اليهم.
تلك كانت محطات واشارات
ومواقف اختلط فيها الفعل الدينى بالسياسى على قدر ضيئل ومحدود، لكن ذلك الفكر الذى
عرف فيما بعد (بالأسلام السياسى) أو الذى أقحم الدين فى السياسة على نحو عميق ومقصود،
برز بروزا واضحا فى عصر الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) الذى لم يكن على قوة شخصية عمر،
كما أنه أتجه لتمييز اهله وعشيرته والمقربين منه، وخصهم بالمال والهبات والعطايا
والوظائف المرموقة، على غير باقى المسلمين اضافة الى ذلك فقد خسر (عثمان) شخصيه
(داهية) وماكره، مثل (عمرو بن العاص)، الذى كان واليا على مصر، فأعاده (عثمان) بسبب
تذمر اهل تلك البلاد وشكواهم المستمرة منه، فعزله وعين واليا بدلا عنه وقال له
قولته الشهيره: (كيف تتولى امور قوم وهم لك كارهون).
بعد عثمان تولى الخلافه
(على بن ابى طالب) الذى بدأ عهده بمواجهة غضبة أهل وعشيرة عثمان العارمه، الذين طالبوه بالقصاص
الفورى من قتلته قبل أن يجف دمه وقبل أن يتأكد عن هوية الفاعل الحقيقى وهو
من عرف بالحكمة واحترام القضاء وهو (حاكم) ضرب المثل على ذلك ووقف أمام قاض فى
مواجهة معتنق دين آخر (يهودى) ادعى ملكيته لدرع كان مع (على)، ما كانت (شريعة)
القرن السابع سوف تعطيه ذلك الحق بل ترفض تلك (الشريعة) شهادة مسيحى ضد مسلم عادى
لا (خليفة)، وفى بعض الروايات ترفض شهادة المسيحى ضد (مسيحى). الشاهد فى الأمر حينما عجز (على) من اثبات
ملكيته لذلك الدرع، حكم القاضى بـأحقيته لصالح اليهودى وباقى القصه معروفه .. فكيف
لرجل بمثل تلك المبادئ أن يقضى بمعاقبة قتلة عثمان كما يريد أهله واتباعه قبل أن
يتأكد عمن هو مرتكب الجريمه الفعلى؟.
بناء على ذلك الموقف تطورت
الخلافات ونشبت العديد من المواجهات والمعارك بين (على) وأتباع وعشيرة (عثمان)، وفى
مقدمتهم معاوية بن ابى سفيان وشاركت فى جانب منها، زوج الرسول السيده عائشه، ومن
اشهرها معركة (الجمل).
ومن ثم انقسم المجتمع
الأسلامى الى قسمين، قسم موال (لعلى) وقسم آخر موال (لمعاويه) وأستمر ذلك الخلاف
وذلك الأستقطاب الحاد ليصل الأبناء والأجيال التى اتت من بعد وعلى نحو عنيف لا
علاقة له بدين، بل من أجل الدنيا ومن أجل السلطه وتحقيق أنتصارات سياسيه وبأى ثمن،
وبالتحديد من جانب (الأمويين).
ومشهورة تلك الواقعة
التى استغل فيها الدين من أجل تحقيق انتصار سياسى، بل استخدم فيها (القرآن) من أجل
الخداع وتم رفع المصحف على اسنة الرماح، ويومها دبر (عمرو بن العاص) مكيده بخداعه (لأبى
موسى الأشعرى) وكيل على بن ابى طالب، وأتفاقه معه على أن يقوم كل واحد منهما بعزل صاحبه،
حفاظا على دماء المسلمين. فوافقه ابو موسى الأشعرى وتقدم وأعلن عزله (لعلى) وعندها
خرج (عمرو بن العاص) وثبت (معاويه) وأنكشفت تلك المؤامرة ونشبت على اثرها المعارك بين
الفريقين من جديد.
بعد مقتل (على) آل الحكم
لمعاوية الذى بدأ فى تأسيس الدوله الأمويه عام 661 واستمرت مسيطرة على الدولة
الأسلامية حتى عام 750، وكأنت اسوأ نموذج لحكم أسلامى أوغير أسلامى وكل من يعمل فى
العصر الحديث أو يدعو لأعادة دوله (الخلافة) الإسلاميه، فلن يستطيع الخروج من
عباءة تلك الدوله، التى شهد العالم فيها اشرس المعارك والحروبات والقتل والبطش
والظلم والفساد، ولن يقدم لمواطنيه غير ذلك البطش والإذلال والجلد بالسوط والقطع
من خلاف مع فساد وتردى أخلاقى وتدهور اقتصادى، ويكفى مثالا لذلك ما شهده السودان
خلال فترة حكم النميرى منذ سبتمبر 1983 وما شهده أهل السودان وحتى اليوم على يد
(عمر البشير) والأخوان المسلمين منذ 30 يونيو 1989.
الشاهد فى الأمر منذ عصر
(بنى أمية) بدأ الصراع الحقيقى والواضح بين الأصلاحيين أهل المبادئ والقيم على
قلتهم، وبين الميكافيليين والبرجماتيين والأنتهازيين .. وما أكثرهم الذين يدعون
أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم وأن رؤيتهم للدين هى الصواب وأن باقى الناس جميعا على
خطأ وأنهم ينتصرون لله ولرسوله وللأسلام، يقولون ذلك حتى لو انهزموا فى كآفة
المعارك التنمويه والأقتصادية والأجتماعية وحتى لو تسببوا فى انفصال أوطانهم
وتشرزم مجتمعاتهم وتفككها.
على كل .. حكم معاوية بن
ابى سفيان وهو اول حكام بنى أميه منذ عام 661 وحتى عام 680، ثم خلفه ابنه يزيد
الذى حكم لمدة اربع سنوات من 681 وحتى 683.
ومن المشاهد الهامه والدامية
التى حدثت فى عهده، قُتله للحسين بن على حفيد رسول الله فى معركة (كربلاء) بعد أن جز
رأسه وتم التمثيل بجثته والدوس على جسده بحوافر الخيل وأستبيحت المدينة المنورة
لجيش يزيد وأغتصبت الحرائر حتى حملت ألف بكر في واقعة (الحرة), وأحرقت الكعبة
وهدمت بالمنجنيق، مثلما هدمت للمرة الثانية وبذات الطريقة فى عصر بنى أمية نفسه، خلال
فترة حكم عبد الملك بن مروان 685 – 705 بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى، وقتل يومها
عبد الله بن الزبير، ولم يهمهم أن الشهور كانت (حرم)، تنهى (الشريعه) الأسلاميه من
القتال فيها واصبح هذا السلوك ساريا حتى اليوم بين المسلمين.
فالضباط الأحرار الثمانية
وعشرين الذين اشتركوا فى انقلاب ابريل 1990 للأطاحة بنظام (الأخوان المسلمين) فى
السودان، فى بداية عهدهم وحينما انكشفت هويتهم (الأسلاموية)، تمت تصفيتهم جميعا
خلال ساعات قلائل دون شفقة أو رحمة ودون تمييز بين رتبة كبيره أو صغيره ودون أن
توفر لهم محاكمات عادله، كان ذلك ايضا فى شهر رمضان بل فى نهايته وقبيل العيد بايام
قلائل.
على كل وبالعودة لفترة
حكم بنى أمية، الذى شهدت بعض فتراته توجيه أوامر لأئمة المساجد لشتم (على بن ابى
طالب) واسرته على منابر المساجد فى خطبة (الجمعة) ومن لا يفعل يدق عنقه، وحتى (عمر
بن العزيز) الذى كان يضرب به المثل فى العدل والزهد والنزاهة، وأعتبر عند المسلمين
بأنه الخليفة الخامس، متجاوزا جميع من حكموا قبله من امراء بنى أمية وقيل انه
حينما مات لم يكن فى سجونه فرد واحد، لكنه لم يحكم أكثر من سنتين ونصف، ويقال انه
مات مسموما بسبب غضب المقربين منه لأنه اوقف عنهم العطايا والهبات وعلى الرغم من كل
ذلك، كان الأستدلال على عدله بأن (الجاريه) خلال فترة حكمه كان تباع بوزنها ذهبا!!
ذلك باختصار ما كان عليه
الحال فى بداية الأسلام، عبر رسوله وخلفائه الأربعه ومن جاءوا بعدهم من امراء بنى
أميه الذين جعلوا الحكم وراثيا وملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الأباء.
أما فى العصر الحديث،
فأن ابرز فرقتين تمثلان تيار (الأسلام السياسى) بشكل واضح، هما الحركة (الوهابيه)
وجماعة (الأخوان المسلمين).
الحركه الوهابية:
بداية من القرن السادس
عشر اصبحت شبه الجزيرة العربيه والهلال الخصيب تحت سيادة الأمبراطورية العثمانية،
واصبحت تلك العواصم العربيه، القاهره وبغداد والقدس ودمشق تدار، بواسطة
(البيروقراطية) العثمانية وبحكام يتم تعيينهم من (استنبول) .. وحتى (مكة)
و(المدينة) كانتا تحت حماية (الخليفة) فى البسفور.
فى عام 1703 ولد محمد بن
عبد الوهاب من اب (فقيه) دينى، فى مدينة (العوينة)، والده (عبد الوهاب) كانت له اراء دينيه على ما كان يدور فى تلك الفتره ، اما
ابنه الصغير (محمد) فقد بدأ يمارس الوعظ والأرشاد
الدينى فى منطقته داعيا للعودة للأيمان النقى – بحسب رؤيته - وبالرجوع الى منابع الدين كما كان فى سابق عهده،
وداعيا (للتوحيد) وعدم الشرك بالله نابذا الهرطقه والتجديف والنفاق وتشييد الأضرحه
وتقديس مشائخ الصوفيه، ومهاجما كل من يعتنق مذهبا غير سنى واصفا اياهم بالهرطقه
والشرك والأنحراف والبدع .
ومن ثم اعلن الجهاد لمحاربة تلك الهرطقة والنفاق
والتصوف والمذاهب المنحرفه، وفى مقدمتها المذهب (الشيعى)، وكان ذلك كله مقدمة
لتأسيس تحالف (سياسى – دينى)، لمحاربة،الهرطقه وكان الأمبراطور العثماني ضمن من
انتقدهم واعلن مجاهدتهم ومواجهتهم .. وفى عام 1774 وصل الى (الدرعية) التابعة
لأقليم (نجد)، الذى كان يسكنه اناس فقراء وبسطاء يعتمدون على الرعى وزراعة النخيل،
والتقى هناك بالأمير محمد بن سعود الذى سر به كداعية دينى، رأى أن دعوته وتعاليمه سوف
تساعده وتدعم طموحاته العسكرية.
لذلك تحالف الرجلان وعمل
كل منهما لتحقيق أهداف الآخر، وبدأ (محمد بن عبد الوهاب) يصيغ المبررات والفتاوى
التى تخدم حليفه (بن سعود) فى تحقيق طموحاته السياسية والتوسعية، وكل ذلك كان يتم
تحت رآية الجهاد لتنقية الدين مما لحق به من شوائب.
ومن عباءة الفكر (الوهابي) أو تأثرا به، خرجت معظم
الأفكار المتطرفه والمتشدده التى نشهدها فى العصر الحديث سلفيين وجهاديين وقاعده
وتحرير وغيرهم، خاصة بعد ارتفاع سعر برميل البترول بعد حرب اكتوبر 73 من ثلاث
دولارات الى ثلاثين دولارا مما أدى الى تزائد هجرة كثير من العمال والمهنيين
(أطباء ومهندسين ومعلمين) وخلافهم، من جنسيات عديده الى دول الخليج وفى مقدمتها
السعودية، وحظيت مصر بعدد ضخم ضمن اؤلئك المهاجرين وسرعان ما انتمى العديد منهم لتلك
التيارات الجهاديه المختلفه، نتيجة لأستعدادهم (الثقافى) لذلك، وكان من النادر أن
تخلو حركه من تلك الحركات من مصرى الجنسية، والسبب فى ذلك وجود الأزهر فى مصر،
والبئية الدينيه التى يتربى فيها الفرد المصرى والمناهج التعليميه التى تحتوى على
كثير مما يحرض على الكراهيه والتمييز الدينى، كما سوف نبين لاحقا، على عكس بلد مثل
(السودان) ثقافته ووجدانه (صوفى)، لم تظهر فيه الحركات والتيارات المتطرفه الا
اخيرا جدا.
الأخوان المسلمين:
مؤسس هذه الجماعة هو
الشيخ/ حسن البنا عام 1928، ولقد بدأت حركة دعوية تربوية تسليكية، وقد لخص مؤسسها دورها
فى تسع اتجاهات، فقال هى: (دعوة سلفية،
وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية
ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية).
وكما هو واضح انها ومنذ
بدايتها أعلنت عن مشروع (دعوى) من خلفه عمل (سياسى) أى حركة (دينيه / سياسيه)، بل
اضيفت اليها أبعاد أخرى اقتصاديه وثقافيه ورياضيه، أى شملت جميع نواحى الحياة
وربما من هنا جاءت مقولة الأخوان المسلمين، (الأسلام دين ودوله) أو (الأسلام هو
الحل).
وربما الشئ الذى جعل
جماعة (الأخوان المسلمين) تنأى بنفسهاعن العنف فى بدايتها ولو بمجرد ايحاءات
للجهاد والقتال كما يفعلون الآن وكما تطالبهم (الشريعه)، هو لكى تجد الحركه فرصة
كافيه للنمو والتقدم وتجنيد الأتباع دون مواجهات مضادة تأسيا بما فعله الرسول فى
(مكه) حيث بدأت الدعوه سلميه وديمقراطية وباسطة للحريات بل ذهبت الى ابعد من ذلك
فقد كان من حق الأنسان وقتها ان يعبد ما يشاء بل الا يعبد أى شئ، ومن نماذج
التسامح والجنوح للسلام وقع (الرسول) صلح الحديبيه بتنازلات كبيره كما اشرنا من
قبل، بناء على ذلك الفهم أو ربما بسبب قناعات فكريه وشخصيه (لحسن البنا) مؤسس
الحركه، خاصة أنه اشار فى موجهاته التسع بأنها دعوة (صوفيه)، والصوفيه معروفون
بنأيهم عن العنف وربما هنالك سبب آخر وهو الأرجح عندى وهو الخشية من الأصطدام بالمستعمر
الذى كان باطشا وعنيفا ما كان سوف يسمح لتلك الحركه بألأستمرار لو شعر بخطورتها
عليه أو بتبنيها للعنف، لذلك تبرأ من قتلة (النقراشى) وقال انهم (ليسوا اخوان
وليسوا مسلمين) كما سوف نعرض ذلك لاحقا. أما بداية ظهور العنف فى نهج حركة الأخوان
المسلمين، فقد كان فى عام 1947، بحادثة اغتيال القاضى الخازندار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق