الجزء الرابع
((خطر الأسلام السياسى على قضية المواطنه والديمقراطيه - مصر نموذجا)).
كيف قتل
(الخازندار):
في صباح يوم22 مارس 1948 خرج القاضي أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته. وكان في حوزته ملفات قضية كان ينظر فيها وتعرف بقضية "تفجيرات سينما مترو"، والتي اتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الأخوان المسلمين، وما أن خرج من باب مسكنه حتى فوجئ بشخصين هما عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم يطلقان عليه وابلا من الرصاص من مسدسين يحملانهما. أصيب الخازندار بتسع رصاصات ليسقط صريعا في دمائه.
في صباح يوم22 مارس 1948 خرج القاضي أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته. وكان في حوزته ملفات قضية كان ينظر فيها وتعرف بقضية "تفجيرات سينما مترو"، والتي اتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الأخوان المسلمين، وما أن خرج من باب مسكنه حتى فوجئ بشخصين هما عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم يطلقان عليه وابلا من الرصاص من مسدسين يحملانهما. أصيب الخازندار بتسع رصاصات ليسقط صريعا في دمائه.
أغتيال النقراشى:
محمود فهمي النقراشي باشا 26 أبريل ، 1948 هو رئيس وزراء مصري ، ومن قادة ثورة 1919 في مصر. ترأس الوزارة مرتين. اغتيل في 28 ديسمبر 1948 على يد (عبد المجيد أحمد حسن).
ولد محمود فهمي النقراشي في مدينة الإسكندرية شمال مصر في 26 أبريل 1888، عمل كسكرتير عام لوزارة المعارف المصرية، ووكيلا لمحافظة
القاهرة، ثم صار عضوا في حزب الوفد. حكم عليه بالإعدام من قبل سلطات الاحتلال
الإنجليزي بسبب ثورة 1919، والتي كان من قياداتها وإعتقل من
قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي في مصر عام 1924 تولي وزارة المواصلات المصرية عام 1930 , تولى رئاسة
الوزراء عدة مرات، منها التي تشكلت بعد اغتيال أحمد ماهر وذلك في 24 فبراير 1945. حيث جاءت في جو تسوده المظاهرات
والاضطرابات التي عمت البلاد والتي تصدى لها بعنف شديد، ومنها مظاهرة الطلبة التي
خرجت من جامعة
فؤاد الأول إلي قصر عابدين والتي سلكت كوبري عباس، حيث حاصرتهم قوات البوليس ووقع ماعرفت
باسم "حادثة كوبري عباس". ثم تولي النقراشي الوزارة مرة أخرى في 9 ديسمبر
1946م بعد استقالة وزارة إسماعيل صدقي. وهذه هي الوزارة التي اتخذت قرار دخول مصر الحرب
في فلسطين.
طريقة اغتياله:
عند اقدامه على حل جماعة الإخوان
المسلمين في 8 ديسمبر 1948، اغتيل رئيس الوزراء
محمود فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948 في القاهرة، حيث قام القاتل المنتمي إلي النظام الخاص لجماعة
الإخوان المسلمين متخفيا في زي أحد ضباط الشرطة وقام
بتحية النقراشي حينما هم بركوب المصعد ثم أفرغ فيه ثلاث رصاصات في ظهره. تبين أن وراء الجريمة النظام
الخاص لجماعة الإخوان
المسلمين حيث إعتقل القاتل الرئيسي
وهو"عبد المجيد أحمد حسن" والذي إعترف بقتله كون النقراشي أصدر قرارا
بحل جماعة الإخوان
المسلمين،
كما تبين من التحقيقات وجود شركاء له في الجريمة من الجماعة وقد أصدر حسن البنا عقب هذا الحدث بيانا استنكر فيها الحادث و"تبرأ" من فاعليه
تحت عنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" ليحكم علي المتهم الرئيسي
بالإعدام شنقاً وعلى شركائه بالسجن مدى الحياة.
مقتل حكمدار شرطة القاهره سليم زكى
باشا:
في الرابع من ديسمبر 1948 جرت مظاهرة
بكلية الطب بجامعة فؤاد (القاهره) فقاد اللواء سليم زكي - حكيمدار شرطة القاهره - قوات الأمن لفض المظاهره .. وإذا بطالب ينتمي لجماعة الإخوان
المسلمين يلقى عليه بقنبلة من الطابق الرابع فسقطت أمامه فمات على الفور.
محاولة أغتيال (عبد الناصر) التى لم
تنجح - حادثة المنشية:
حادثة المنشية هي حادثة إطلاق النار
على الرئيس جمال عبد الناصر، في 26 أكتوبر1954 أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية بمصر, وقد تم اتهام الإخوان
المسلمون بارتكاب هذه الحادثة وتمت محاكمة
وإعدام عددا منهم. وبعد 58 عام من إنكار الجماعة لمحاولة الإغتيال تلك، اعترف
المتهم الثالث"خليفة عطوة ((بمشاركته فيها بتكليف من عبد القادر عودة،
القيادى فى الجماعة وقتئذ والذى أعدم فى نفس القضية)).
وقبل حادثة المنشية تلك، بسنوات عاد
(سيد قطب) من امريكا وتحديدا عام 1949 بعد أغتيال (حسن البنا)، وكانت علاقته قوية
بثورة يوليو 1952 فى بدايتها، ثم أختلف معها ورفض منصب وزير المعارف الذى عرض
عليه، وفى عام 1953 أنتمى بصورة رسمية لحركة (الأخوان المسلمين) وكان قبلها قد بدأ
فى كتابة كتابه الشهير (فى ظلال القرآن) الذى بدأ الكتابه فيه عام 1951 وأنتهى منه
فى السجن عام 1964، ومن ذلك الكتاب بدأ فى كتابه (معالم فى الطريق) وأهم ما جاء
فيه مسألة (الحاكمية لله) مستندا على آراء
وكتابات الفقيه الباكستاني أبو الأعلى المودودي وأعمال الفقيه إبن تيمية وقد ربط
سيد قطب مبدأ التحرر بسيادة مبدأ الحاكمية لله.
وكفر سيد قطب المجتمع كله ولم يستثن
من ذلك المسلمين حيث قال واصفا مسألة الداء في المجتمعات الإسلامية ((إن المسألة
في حقيقتها مسألة كفر وإيمان, مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام . . إن الناس
ليسو مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية, ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء
مسلمين)).
يستدل (سيد قطب) فى باب حاكمية الله
بقول الله تعالى فى سورة يوسف (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) وفى صورة غافر
(فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) وفى صورة الانعام (أَلا لَهُ
الْحُكْمُ) ثم يزعم سيد قطب ان حاكمية الله لا يمكن أن تتحقق اذا خرجت القوانين
المطبقة عن الشريعة الاسلامية ومن ثم دعا الى التمرد والثورة على الحكم (البشرى)
قائلا فى صفحة 67 من كتاب معالم على الطريق (ان اعلان ربوبية الله وحده معناه
الثورة الشاملة على حكم البشر المخالفين لعقيدتنا فى كافة ربوع الارض باى صورة من
الصور).
وهذا يعنى أن كل من يؤمن بتطبيق
(الشريعة) الأسلاميه التى تعنى (ربوبية الله)، فمن حقه أن يسعى لذلك بكل الطرق
والسبل، أى عن طريق القوى الناعمه والديمقراطيه وصناديق الأنتخابات، التى تستخدم
كسلم وبشراء الأصوات وتقديم الرشاوى وبالعنف والأرهاب والقتل وعن طريق الأنقلابات
العسكريه، وما يتصور أو لا يتصور من سبل.
وقبل الدخول فى تفاصيل تجربة الإسلام
السياسى فى مصر وخطرها على قضية الديمقراطية والمواطنة، موضوع هذا السفر الأساسى ،
خاصة ما تم رصده من سلوكيات من قبل تلك التيارات بعد سقوط نظام (مبارك) وما تبعته
من احداث، علينا أن نتوقف لنتعرف على خطورة هذا التيار على قضية التغيير الذى نعمل
من أجل تحقيقه فى السودان على نحو سلمى (اذا امكن ذلك) ، وهذا ما اريد أن احذر منه
بعض المنتمين للقوى المدنية والليبراليه والديمقراطيه التى لا تستشعر خطرا أو
مشكله مستقبليه فى التحالف مع تيارات (اسلامويه) تتدعى أنها تعمل لأسقاط النظام
وأقامة دوله ديمقراطية، دون ضمانات كافيه للألتزام بتلك (الديمقراطية) وبدولة
(المواطنه) التى لا يمكن ان تتحقق فى ظل حزب أو حركة تتمسك بتطبيق (شريعة) القرن
السابع أو احكامها أو مبادؤها، لأن تلك (الشريعة) فى أدنى مظاهرها تتعارض مع
(الديمقراطيه) ولا تستطيع التعائيش معها، مع الأعتراف بصعوبة اقناع مجتعات يتفشى
فيها الجهل والأميه والفقر وقلة الثقافة، بدوله (لا دينيه)، وهذا امر يحتاج الى
دراسات عميقه، تجعل من اؤلئك البسطاء وهم الأغلبيه لا يشعرون بانفصالهم عن دينهم
وفى نفس الوقت يقبلون بمشروع دولة (المواطنه) على اختلاف اشكالها التى تحقق لهم
العدل والمساواة.
وأفضل نموذج لأنتهاكات الأسلاميين
وخداعهم للشعوب، هى الطريقة التى خرج بها الدستور (المصرى) وعدد من المواد التى
تحتوى على خطورة بالغة تهدد مدنية الدولة المصريه وديمقراطيتها، ولابد من تعريف
علمى دقيق وأمين لما حدث فى مصر بداية من تاريخ 25 يناير 2011 وحتى 11 فبراير 2011
أى خلال ثمانى عشرة يوما سقط فيها النظام وتولى السلطه مجلس عسكرى من جنرالات ذلك
النظام وهل هى ثوره أم انتفاضة؟
فى الحقيقه هى (انتفاضه) شعبية شبيهة
بأنتفاضة الشعب السوداني فى ابريل 1985، لا ثوره مثل التى حدثت فى اكتوبر 1964 ..
ففى اكتوبر 1964 اقتلع الشعب السودانى نظاما بكامله وبقيادة جيشه رغم انه كان
نظاما عسكريا، اما فى ابريل 85 فقد لعب الجيش دورا هاما فى تلك الأنتفاضه وانحاز
للشعب مع ان قادته كانوا هم أنفسهم قادة جيش النظام السابق وهم من تولوا ادارة
الدوله فى مرحلة انتقالية مدتها (سنة)، بل أن وزير دفاع النظام السابق وقتها (عبد
الرحمن سوار الذهب) هو من تولى قيادة المجلس العسكرى الذى حكم فى المرحلة
الأنتقاليه، وهذا ما حدث بالضبط فى مصر فى تاريخ 11 فبراير 2011 بعد تنحى (مبارك)
و(تخليه) عن السلطه بنفسه لا (خلعه) كما يردد البعض وبعد خطاب قرأه على جهاز
التلفاز مدير جهاز مخابراته (عمر سليمان) الذى عينه نائبا للرئيس واستمر فى المنصب
لأيام قلائل.
على كل حال اصبح يطلق عليها ثورة 25 يناير-
مجازا – وفى حقيقة الأمر ولولا انحياز الجيش للشعب لتواصل القتال حتى اليوم وبنفس
الصورة التى حدثت فى سوريا و ليبيا، وربما على نحو أكثر عنفا.
من اسرار تلك الفترة، ذكرت
مصادرعليمه، أن (مبارك) طلب من الجيش التدخل بعنف وقوة لأخماد تلك الأنتفاضة قبل
اعلانه التخلى عن السلطه، لكن قادة الجيش رفضوا طلبه وأجبروه على التنحى، ولذلك
اقتنع وسجل خطابه واتجه بطائرته الى شرم الشيخ التى بقى فيها حتى حكم عليه
بالمؤبد.
وعلى كل حال فأن فشل تجربة (الإسلام
السياسى) فى السودان وفسادها وفشلها، لا يحتاج الى استعراض ادلة كثيره، فقد شهد
بذلك حتى رفاقهم (الأسلامويون) فى كآفة الأقطار وأنتقدوا تلك التجربه نقدا عنيفا،
وتبرأوا منها خاصة ان قادتها وصلوا للسلطه عن طريق انقلاب عسكرى، لا ترفضه
(الحركات الأسلاميه) على نحو مبدئى، اذا عدنا الى ما سطره سيد قطب فى باب حاكمية
الله، فى كتابه (معالم فى الطريق) الذى اوردناه من قبل وبضرورة استلام السلطه بأى
صوره.
وأكد ذلك التصرف غير الديمقراطى قول
الدكتور/ حسن الترابى بعد اختلافه مع البشير وخروجه من النظام: (بأنهم قاموا
بالأنقلاب فى 30/6/1989 لأنهم كانوا يدركون صعوبة وصولهم للسلطه عن طريق
انتخابات).
وبما أن كلما ينتج عن باطل فهو باطل،
لذلك داوم النظام على تغطية اغتصابه
للسلطه عن طريق انقلاب، بانتخابات صورية تزور وتزيف فيها ارادة المواطنين
السودانيين، بين كل فترة وأخرى، لا يمكن ان يعترف بها الا ساذج.
وأفضل ما أكدته التجربه السودانيه أن
الأنتخابات لا يمكن أن تخرج نزيهه وشفافه فى ظل نظام (دينى) يعتبر تزوير
الأنتخابات (حلال) وحق مشروع طالما كان الهدف تطبيق شريعة الله وحكمه.
وكانت حصيلة حكم (الأخوان المسلمين)
فى السودان حوالى 2 مليون قتيل فى الجنوب مما أدى الى انفصاله فى نهاية المطاف،
وحوالى 300 الف قتيل فى دارفور وعشرات الآلاف فى جهات اخرى واغتصاب للنساء وجلد
عدد كبير منهن وصل فى ولاية الخرطوم وحدها
عام 2008 حوالى 43 الف امرأة، فى محاكم خاصه وسريعه تسمى (محاكم النظام العام)،
وشرد ذلك النظام الأسلاموى مئات الآلاف فى الخدمه المدنيه والعسكريه والقضاة
واصبحوا اما مغتربين أو لاجئين وتفشى الفساد الأخلاقى والمالى دون رقيب أو محاكم
تنظر في تلك المفاسد، وقام النظام فى بدايته ولكى يمسك بقبضته على المؤسسه
العسكريه، بأعدام 28 ضابطا خلال شهر رمضان وخلال ساعات معدودات، كما ذكرنا من قبل
ثم افرغ تلك المؤسسه العسكريه من أفضل الخبرات الموجوده فيها وأبقى على الأتباع
الأسلامويين وقليل من الصامتين، ولم يكتف بذلك بل انشأ الى جانب الجيش النظامى كتائب ومليشيات تدين بولائها للنظام
و(للحزب) لا للدوله السودانية، سماها قوات الدفاع (الشعبى) لكى تحافظ على بقاء
النظام وحكم الشريعه والدوله الأسلاميه والفرد المقاتل فيها يسمى (مجاهد).
ونظام (الأخوان) فى السودان بقيادة
(عمر البشير) يتحمل مسوؤلية أنفصال الجنوب كاملة، لأنه نظام تهمه الدوله الدينيه
(الأسلامويه) شكلا .. لا الدولة (الوطنيه)، وهذا ليس غريب عليهم فمرشد (الأخوان)
فى مصر السابق (مهدى عاكف)، وهو مرشد التنظيم العالمى قال مرة (ظز) فى مصر ..
وتحدث عن دوله (الخلافه) التى عاصمتها القدس التى تصبح فيها (مصر) امارة اسلاميه.
بناء على هذا الفكر فأن تنظيم
(الأخوان المسلمين) فى السودان رفض رؤية (الجنوبيين) للتوافق دوله (علمانية) توحد
السودان وتساوى بين السودانيين جميعا، ووافق بدلا عن ذلك على رغبتهم فى اجراء
استفتاء، لأختيار الوحدة أو (الأنفصال) وتأسيس دوله جديده خاصة بهم، وعمل بكل
السبل للتنصل والتلكوء فى تنفيذ ما التزموا به فى تلك الأتفاقية لكى يكون خيارهم
المفضل هو (الأنفصال)، وفعلا صوت الجنوبيون فى الأستفتاء للأنفصال بنسبة تجاوزت ال
98%، وقالوا كيف نعيش فى دوله واحده مع نظام يقول أن السودان دوله عربيه مسلمه،
ونحن لسنا عرب ولسنا مسلمين؟
وتلك حقيقة .. وهذا يؤكد أن (تيار)
الأسلام السياسى خطر على قضية الديمقراطيه وخطر على دولة المواطنه.
ذلك ما كان بخصوص السودان وهو ليس
موضوع هذا الكتاب، اما بالنسبة لما حدث فى مصر، بعد انتفاضة 25 يناير وخلالها،
فالحقيقة تقول ان (الأخوان المسلمين) أحجموا عن المشاركه الى جانب المنتفضين فى
الميادين المصريه المختلفه فى بداية أيام (الثوره) ولم ينزلوا الا بعد ثلاثه ايام
أى فى يوم 28/ يناير وبعد اعلان الجيش انحيازه للشعب وحمايته للمتظاهرين
والمعتصمين وعدم تدخله بالقوه لأجهاض الأنتفاضه.
ولم يكن ذلك الموقف من جماعة (الأخوان
المسلمين) عشوائيا، بل كان محسوبا حسابا دقيقا وذلك لكى لا يقحموا انفسهم فى
مغامره غير محسوبه العواقب ربما يضربون فيها فتضعف قوتهم وتنكشف كوادرهم العليا
والوسطى والدنيا كما حدث عام 1954 بعد حادثة (المنشية) فى الأسكندريه، التى سعوا
فيها لأغتيال (عبد الناصر).
أما السبب الثانى الذى جعلهم يحجمون
عن المشاركه مع الثوار فى البدايه، هو لكى يحتفظوا بكامل قوتهم وتنظيمهم للوقت
الذى يتحقق فيه التغيير الحقيقى الذى عملوا من اجله عقود طويله وأراقوا الدماء
ودخلوا السجون، فمات منهم من مات وخرج منها بعد ذلك من خرج.
اضافة الى ذلك فأن أعلى سقف كان يطالب
به الثوار والشعب المصرى كله، فى بداية الأنتفاضه وما كانوا يتوقعون أكثر منه، هو
أن يخرج عليهم الرئيس (مبارك) فى عيد (الشرطه) يوم 25/ يناير، ويعلن عن اقالة وزير
داخليته (حبيب العادلى) ومحاسبة بعض ضباط جهاز امن الدوله الذين عذبوا السياسيين
المدنيين والأسلاميين، ولو اضاف (مبارك) الى ذلك كما نصحه الكثيرون باعلان واضح
يلغى فيه فكرة توريث ابنه (جمال)، لرفعته الجماهير على الأعناق، والدليل على ذلك
انه حينما قرأ عليهم خطابه (العاطفى) الذى قال فيه أنه سوف يحيا ويموت داخل مصر،
وأنه لن يرشح نفسه فى الأنتخابات القادمه التى كان محددا لها سبتمبر 2011، بكى
الكثيرون وطالبوا الجماهير الثائرة أن تمنحه الفرصه لكى ينهى تاريخه على طريقه
تحفظ ماء وجهه ولا تجعله محل اهانة ومن بين اؤلئك اعلاميين وسياسيين كبار كانوا
محسوبين على المعارضه، بل من بينهم من ينتمون للتيارات الأسلامويه التى تهيمن على
المشهد السياسى الآن.
أما بالنسبة للشباب الثائر فى
الميادين المختلفه، خاصة ميدان التحرير، فقد كانوا يرون أن خطواته وقراراته تخرج
متأخره وبعد أن يعلو سقف مطالبهم، لذلك رفضوا قراره وسخروا من خطابه وهتفوا (ارحل
.. ارحل)، (امشى .. أمشى يالمبتفهمشى) .. وقرروا ليلتها التوجه لمحاصرة قصر
الرئاسة، وكذلك خرج عدد من الساسة ومن بينهم رموز (سلفية) يتباكون وينتحبون
ويطلبون من الثوار عدم التوجه نحو القصر لكى لا تقع مجزرة، خاصة وقوات الحرس
الجمهورى التى تعتبر (النخبة) فى الجيش المصرى، يقال أنها مكونه من عدد كبير من
الضباط والجنود المدربين على القتال تدريبا عاليا، وكان عددهم يصل الى حوالى 50
الف فردا.
الشاهد فى الأمر كان (الأخوان
المسلمين) فى الثلاثة أيام الأولى كما رصد جميع المراقبون، خارج الميادين على نحو
رسمى ومعلن وأكتفوا فقط ببعض رموزهم على نحو (فردى) لمتابعة الموقف عن قرب والتصرف
وفق ما يحدث من تغيرات، وتسربت معلومات تقول حتى نزولهم فى اليوم الثالث كان بعلم
وتنسيق مع جهاز امن الدوله، الذى حدد لهم عددا محددا يشاركون به، كما كان يحدث فى
الأنتخابات فى عصر مبارك، حيث كان يحدد لهم عدد المقاعد التى يحصلون عليها فى
البرلمان والتى بلغت عام 2005 حوالى 88 مقعدا، وهذه نقطة لا يتوقف (المعارضون)
الآن، عندها كثيرا فى خطابهم لتعرية (الأخوان)، بأنهم اذا كانوا يرون نظام (مبارك)
فاسدا ويقوم بتزوير الأنتخابات فلماذا كانوا يشاركون فى انتخاباته ولماذا لم
يقاطعونها؟ والمعارضه تعد بصورة من الصور جزءا من النظام والنائب البرلمانى يؤدى
القسم امام رئيس مجلس الشعب وهو من اساطين النظام أو امام رئيس الدوله، ويحصل
النائب على مرتبه ومزايا أخرى وعلاج خارجى من النظام ولو حصل (الأخوان) على نفس
عدد مقاعدهم فى انتخابات 2010، لوقفوا فى وجه (الثوار) ولما تضامنوا معهم، مثلما
وقفوا امامهم داعمين للمجلس العسكرى قبل تخليه عن السلطه فى حادثة شارع محمد محمود
ومثلما وقفوا فى وجه الثوار امام بوابات (مجلس الشعب)، وقالوا يومها (الشرعية
للبرلمان لا الميدان)، لكنهم فى انتخابات الرئاسة بعد ذلك خرجوا لميدان التحرير
مهددين ومتوعدين باراقة الدماء لو أعلنت اللجنة فوز الفريق (شفيق)، وما هو اسوأ من
ذلك أن مجموعة من (القضاة) يسمون قضاة من أجل مصر، خرجوا واذاعوا نبأ فوز (مرسى)
وأحتفلوا فى الصباح الباكر، قبل أن تعلن النتيجه بواسطة اللجنه القضائيه المكلفه بذلك العمل، ثم بعد كل ذلك يتحدثون عن
رفضهم لعمل القضاة بالسياسة!
ومما جاءت بها المستندات والوثائق أن
مرشد الأخوان المسلمين الحالى، (محمد بديع) لم يرفض عملية (توريث) جمال مبارك التى
رفضتها القوى المدنية كلها ولم يعترض (المرشد) على ترشيح (جمال مبارك) لمنصب
الرئيس وقال انه (مواطن) مصرى من حقه أن يترشح.
وأن الرئيس الحالى محمد مرسى، حينما
كان نائبا فى البرلمان وزعيم كتلة (الأخوان) أو المعارضه، عام 2005 قال أن البنوك
كلها ربويه، والآن وافق على الحصول على قرض (ربوى) من البنك الدولى قيمته 4 مليار و800 مليون دولار وبفائدة
اجماليه تزيد عن 2% (الضرورات تبيح المحظورات)!
وقبل انتخابات عام 2010 التى زورت
بكاملها طالب (الأخوان المسلمون) برقابة دوليه على الأنتخابات، وألان اضحوا يشككون
فى نزاهة اى مصرى ويزائدون على وطنيته اذا طالب بمثل تلك الرقابه ويتهمونه
بالعماله للخارج خاصة لأمريكا .. انها (ميكافليتهم) المعروفه.
اما بالنسبة لموقف حلفائهم (السلفيين)
وباقى التيارات الأسلامويه، فقد اعلنوا صراحة رفضهم المشاركه فى التظاهرات
والأعتصامات بل كفروا المنتفضين وعدوهم (خوارج) على حاكم مسلم، لا يجوز (شرعا)
الخروج عليه مهما كان سئيا وفاسدا وظالما.
وظلوا متمترسين بذلك الموقف، حتى بعد
أن أعلن مبارك تخليه عن السلطه، لكن بعد ان اطمأنوا مثل رفاقهم (الأخوان المسلمين)
بالتصريح الذى صدر من قيادة الجيش، وحتى لا يفوتهم (المولد) نزلوا الميادين بقوه
واضحه وبدون شك هم والأخوان الذين يفتون بأن قتلاهم (شهداء) فى الجنه، كان لهم دور
فى اكتمال الأنتفاضه بمواجهة القله المنتفعه من النظام السابق، بالطبع هم اضعف من
يواجهوا الجيش وأمن الدوله، لو اتخذوا قرارا بمواجهة الثوار، لذلك للجيش المصرى
دور مقدر فى اكتمال الثوره مثلما كان للأعلام المستقل (الحر) والشجاع دور فى
التمهيد لها بكشف قضايا الفساد والمفسدين وقبل فترة طويلة من اندلاع الثوره,
كما ذكرنا، ليس مستغربا على مجموعة
ليست قليله العدد (مبرمجه) ومدربه على العنف ومشحونه بمبادئ (السمع والطاعه)
ومزوده بفتاوى دينيه تقول لهم أذا قتلتم فأنتم شهداء، أن يكون لهم دور قوى فى
مواجهة الشرطه وقوات امن النظام الذاهب للسقوط، معظمهم بلا حافز أو هدف يجعلهم
يدافعون عن بقاء النظام بضراوة، بل أن جهاز الشرطه بكامله قد أنسحب من المشهد بعد
أن تعرض للعنف والقتل وحرق مقراته والجندى راتبه وقتها لا يزيد عن ثلاثمائة جنيه.
وكعادتهم واستنادا على منهجهم
(الميكافيلى)، سارع الأخوان المسلمون على تصدر المشهد وأظهار أنفسهم وكأنهم
(الثوار) الحقيقيين، ولا أحد غيرهم قد ساهم فى تلك الثوره، وسرعان ما تقربوا من
(الجيش) وتحديدا من (المجلس العسكرى) الذى
كان فى حاجة الى جهة سياسيه تدعمه وتتحالف معه فى مثل تلك الظروف بالغة التعقيد.
وذلك هو السبب الذى جعل قادة (المجلس
العسكرى)، يختارون اثنين من بين ستة فقهاء صاغوا الأعلان الدستورى الأول فى 19/
مارس 2011 الذى حدد خارطة طريق (مصر) الخاطئة، بعد الأنتفاضه، أحدهم نصف (أسلاموى)
لا يرفض شريعة القرن السابع، مثل العديد من المثقفين المصريين كوسيلة للحكم، هو
المستشار (طارق البشرى) والثانى اسلاموى كامل (الدسم) ينتمى لجماعة (الأخوان
المسلمين) ولذراعهم السياسى (حزب الحريه والعدالة) وهو المحامى (صبحى صالح)، وما
كان مثيرا لدهشة الكثيرين انه لم يكن من بين كبار اساتذة القانون الدستورى
المعروفين فى مصر.
وبناء على رؤية انانية ومصلحة ذاتيه
رفض (الأخوان) أن يحدد ذلك الأعلان البدء بانتخاب (جمعية تأسيسية)، ورفضوا اى فكرة
طرحت لمشروع دستور يؤدى الى دوله مدنيه وفرضوا على الشعب المصرى أن تكون البداية
بأنتخاب مجلسى الشعب والشورى ومن بعد ذلك أنتخاب الرئيس وهذا ما جعل المسار كله
معوج ومضطرب وغير سليم.
وكانت رؤيتهم غير المعلن عنها، متكئة
على انهم الأكثر تنظيما وجاهزيه بين الأحزاب المدنية الضعيفة، ولديهم خبره سياسية
جيدة بفضل مشاركتهم فى نظام (مبارك) كمعارضه تخوض الأنتخابات كقوة (مستقله)، بسبب
عدم اعتراف مبارك بتنظيم (الأخوان المسلمين)، الذى كان يطلق عليه اسم (الجماعة
المحظورة).
وكان هدف الأخوان الأساسى للبدء
بأنتخابات مجلس الشعب، أن يهيمنوا على البرلمان ومجلس الشورى ومن بعدهما الهيمنه
على الجمعية التأسيسيه، التى سوف ينتخبها ذلك البرلمان بحسب نص الماده 60 من
الأعلان الدستورى، الذى تشكل من مواد تم الأستفتاء عليها مضاف اليها بعض مواد
دستور 1971 ومن ثم تصيغ تلك الجمعية ذات الأغلبيه الأسلامية دستورا يجعل من مصر
دوله (دينيه) وهذا ما حدث بالضبط رغم انهم ينفون ويدعون أنهم يعملون لتأسيس دوله
مدنيه ديمقراطيه حديثه وأن الأسلام لا يعرف الدول
الكهنوتيه (الثيوقراطية)،
ولأنهم يعلمون جيدا بأن مصر فيها مؤسسات راسخه
وعتيدة و(عميقة) لن تمكنهم من تمرير مشروعهم بالطريقه التى يريدونها بسهولة ويسر،
فكان لابد لهم أن يعملوا على تفكيك تلك المؤسسات واحدة تلو الأخرى وبأى ثمن، وفى
ذات الوقت يعملوا على غرس كوادرهم داخل تلك المؤسسات والهيمنة عليها، فبدأوا
بالصحافة الرسمية (الأهرام/ الأخبار/ الجمهورية)، وفعلا سيطروا عليها من خلال مجلس
(الشورى) الذى يشرف عليها والذى حصلوا فيه على أغلبية مطلقة رغم أن من شاركوا فى
انتخاباته لم تزد نسبتهم عن 7%، وكان هدفهم الثانى مؤسسة (القضاء)، ومن بعدها
الجيش بعد أن تم تفكيك جهاز الشرطه واضعافه وكسر شوكته خلال ايام الثوره الأولى.
الشاهد فى الأمر، أنهم تمكنوا من
الهيمنة على الصحافه القوميه وأخترقوا الأعلام الرسمى من خلال مسوؤلية مجلس الشورى
عنه كذلك.
لكن أكثر ما ضائقهم وسبب لهم صداعا
وأزعاجا هو (الأعلام) الحر، الذى سعوا بكل الطرق لكسر شوكته، تارة بالقضايا وأطلاق
الأشاعات، وتارة بالحصار، رغم ذلك لم ينجحوا فى مسعاهم.
وفى ذات الوقت الذى استهدفوا فيه
الأعلام الحر بدأوا فى مواجهة القضاء ومحاولة ضربه وكسر هيبته بتركيز ومنهجيه
واضحه شارك فيها الأخوان والسلفيون والجماعة الأسلاميه وحزب الوسط.
وتم توجيه كوادر (الأخوان) بواسطة
القيادى (عصام العريان)، يوم جمعه وبعد التعدى على (متظاهرين) تابعين للقوى
المدنيه فى ميدان التحرير، لكى يحاصروا مكتب (النائب العام) لأجباره على التخلى عن منصبه، باتهامات مختلقه،
مثل تقصيره فى جمع الأدله التى تدين المتهمين فى الحادثه التى سميت بموقعة
(الجمل)، لكن الأعلام (المستقل) لم يريحهم وكشف عن ان تلك (الموقعة) لم يكن
(النائب العام) مسوؤل عن التحقيق فيها بل أحيلت (للجنة قضائيه).
ولم يكتفوا بذلك بل تم أختزال المحكمه
الدستوريه المكونه من 19 عضوا فى شخصية (قاضيه) واحده، هى المستشاره (تهانى
الجبالى) ... وهاجموا تلك (المحكمه) بكاملها وطعنوا فى نزاهتها من خلال الطعن فى
نزاهة تلك القاضية باتهامات وادعاءات كاذبه ومختلقه شارك فى جزء منها (الرئيس)
نفسه، على الرغم من أن تلك المحكمه كان لها دور مقدر ومشرف خلال فترة (مبارك) وقضت
بأحكام لم يكن راضيا عنها، لكنه لم يتدخل فى صلاحياتها وأحكامها ومن ضمن التهم
التى وجهت للمحكمه أنها تأمرت على النظام
وعملت على تعطيل مؤسساته وتقويضها ولذلك حوصرت تلك المحكمه ومنعت من اداء دورها،
بعد أن اصدرت حكما قانونيا (صحيحا) أدى الى حل مجلس الشعب وكان مصير مجلس الشورى
المتوقع هو نفس مصير مجلس الشعب وكذلك الجمعية التأسيسية، لأنهما لم يؤسسا على نحو
دستورى أو على نحو باطل و(الأخوان) يعلمون ذلك جيدا، وهم من عملوا على خروج تلك
المؤسسات على نحو غير دستورى، لا تملك محكمه تنفذ القانون فى عداله ومهنية الا ان
تقضى ببطلانها، وكان على الأخوان وحلفائهم أن يسألوا أنفسهم اذا كانوا فعلا جادين
فى حل مشاكل وطنهم، هل افضل أن يتأخر أكتمال مؤسسات الدوله لعام، أم يبقى الشعب
منقسما وتبقى البلد كلها فى حالة استقطاب وخلافات حادة لعدد من السنين، لا يعلم أى
انسان متى تنتهى؟ المؤسف فى الأمر أن الرئيس وبعد أن اجتمع مع عدد كبير من رموز
القوى المعارضه وطرحوا عليه وجهات نظرهم، فاجأ الجميع بمن فيهم مستشاريه باعلان
دستوري (معيب) قوض سلطة القضاء ومنعها من القيام بدورها، وحصن تلك المؤسسات من أى
حكم قضائى وهو يعلم بأنها باطله ومصيرها
الحل. ومما زاد الطين بلة تحديد (الرئيس) ميعادا للأستفتاء على الدستور، دون أن
يعرض لحوار مجتمعى كاف، وحينما خرجت الجماهير التى قامت بالثوره الى الميادين
رافضة الأعلان الدستورى والطريقه التى اعد بها الدستور متحالفه فى ذلك مع القوى
المدنيه التى انتظمت فى جبهة واحده سمت نفسها (جبهة الأنقاذ الوطنى)، دعا الرئيس
الى حوار (صورى) دون اجنده مسبقه من جديد
وحينما رفضت تلك (الجبهة) الجلوس فى طاولة الحوار مع الرئيس قبل أن يلغى الأعلان
الدستورى، تم الترويج الى انها ترفض الحوار وكالعاده وكما يحدث فى السودان من
النظام الأسلاموى، تم تجميع عدد من الأسلاميين والمتأسلمين ومن يدعون انهم ينتمون
للتيار المدنى مثل حزب (الوسط) أو حزب (مصر القويه) وهم فى الحقيقه (أسلاميين)،
اضافة الى مؤيدين من خارج تلك التيارات مثل الدكتور (أيمن نور)، الذى فقد جماهيرته،
وشعر من مصلحته السياسية أن يتحالف مع الأخوان .. أجتمع اؤلئك جميعا وعددهم 54
فردا وخرجوا بتوصيات وقرارات جملوا بها وجه الرئيس بالغاء ذلك الأعلان الدستورى مع
الأبقاء على أثاره كما هى، مع اصدار فتوى تقول أن القانون يمنع مد فترة الأستفتاء،
على الدستور لأكثر من 15 يوما بعد اعداده وأجازاته بواسطة الجمعية التأسيسية، وهذا
امر مضحك للغايه، فالرئيس الذى تغول على سلطة القضاء ولم يمكن المحكمه الدستوريه
من القيام بدورها، برر عدم مد فترة الأستفتاء على الدستور بالتزامه القانون!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق