لم يتبق من
العمر الكثير .. افعلها يا د. حسن الترابى!
جاء فى الأخبار أن الدكتور/ حسن الترابى صرح خلال ندوه
قائلا:
"انه يشعر بمسؤوليته
الشخصية تجاه كل الازمات التى تعم اطراف السودان بوصفه سياسيا كان حاكما فى حقبة
ما ، وعد التمزق والاحتراب الذى يعيشه السودان نتاجا قويا لسوء الإدارة طوال
الستين عاما الماضية.
بهذه
المناسبه أذكر حينما
أعلن فى مصر عن زيارة للدكتور / حسن الترابى بعد ثورة 25 يناير وصعود رفاقه الإسلاميين هناك على قمة المشهد السياسى، بعد أن كان ممنوعا
من دخول مصر لمدة زدات عن 20 سنه، كتبت مقالا قلت فيه:
هذه فرصة
يجب أن يغتنمها د.(حسن الترابى) لكى يكفر عن سيئاته وأخطائه وقد تقدم به العمر
ولكى يخدم السودان والإنسانيه
كلها .. وعليه الا يكابر أو يزائد والا يخدعه ارتفاع صوت (الأخوان المسلمين)
السياسى فى مصر فيظن انه سوف ينتصر بمساعدتهم .. عليه أن يفاجئهم ويعترف بفشل ما
يسمى (بمشروع) الدوله (االإسلامويه)
وبالأخطاء القاتله والمدمره التى ارتكبوها فى السودان بعد انقلابهم على النظام
الديمقراطى فى 30 يونيو 1989 وتوجههم سريعا نحو الهيمنة و(التمكين) وممارسة الإرهاب تحت مسمى (الجهاد) وتعذيبهم للمعارضين وأغتصابهم للرجال والنساء فى بيوت الأشباح
وابادتهم للملايين من أهلنا فى الجنوب وفى دارفور وتشريدهم للخبرات والكفاءات
السودانيه وتهجيرهم قسريا .. عليه أن ينصحهم بأن يتخلوا عن هذا (الفكر) المخادع المدمر المتاجر بالدين وأن يعيشوا االإسلام فى انفسهم قبل أن يفرضوه على الآخرين، وأن يقتنعوا
بأن افضل نموذج موجود
اليوم للحكم فى الكون كله محققا للعدل والسلام ومهيأ المجتمعات للتعائش السلمى المشترك
هو النظام (الديمقراطي) الذى يطبق
على نحو (جيد) فى العديد من دول الغرب مع الإعتراف
ببعض جوانب القصور التى يمكن أن تكمل بما لدى أهل الشرق من ثقافات ونزعات تدينيه
وانسانية (حقيقيه) لا مدعاة.
والأهم من ذلك كله
أن يعترف د. الترابى بعدم صلاحية (المنهج) االإسلاموى الذى تبناه
ونظر له لسنوات طوال، وفيه ما فيه من تحريض على العنف والقتل والتمييز بين الناس
بسبب (نوعهم) ومعتقداتهم وافكارهم وهذا ما يمارسه
(الإسلاميون)
فى الواقع لكنهم لا يعترفون بما يفعلون .. وفيه ما فيه عن معاملة غير كريمة (للأسرى)
وكيف يجوز قتل الرجال وسبى النساء وكل ذلك يخالف
القوانين والمواثيق الدوليه .. فإنسانية هذا العصر لن ترض بغير الحريه والديمقراطيه وحقوق الأنسان
والمساواة والعداله ودولة المواطنه المدنيه بديلا، وعلينا أن (نعترف) ذلك كله لا يمكن أن يتوفر فى نظام يقوم على أحكام وفقه (الشريعه)
التى نزلت قبل أكثر من 14 قرنا ولا زال يتبناها (الإسلام السياسى) كدستور للحكم يفرض على (الشعوب) دونه
القتات وقطع الرقاب، وهو لا يصلح (للحكم) ولأدارة شوؤن المواطنين فى دولة (المواطنه)
المدنيه الحديثه، وهذا لا
يعنى رفضا (للإسلام)
كدين أو انتقاص من قدره، فالإسلام دين
صلاحيته تكمن فى اعترافه (بالتطور) الذى نسبه
الخالق لنفسه وهو (الكامل) حينما قال (كل يوم هو فى شأن) .. وصلاحية الإسلام تكمن فى اعتراف من يدعون له، باختلاف الأزمنه والأمكنه
والمجتمعات والثقافات وذلك يستدعى
بالضرورة اختلاف الدساتير والقوانين والأحكام من عصر لعصر ومن أمة لأمة ومن شعب
لشعب.
وهذا ما ادركه الى حد كبير حزب (النهضه) فى تونس ولولا ذلك لأصبح حاله مثل
حزب (الإخوان
المسلمين) فى مصر (الحريه والعداله) قياداته العليا خلف (القضبان) وقياداته
الوسطيه تحرض على العنف والقتل فى الشوارع وعلى الفوضى وعدم احترام القانون وارادة
الشعب، ثم تتدعى انها تمارس معارضة (سلمية) .. لقد انقذ حزب (النهضه) تونس دون حاجة لثورة شعب وتدخل جيش و(سيسى)،
لا أدرى أن كان ذلك
(تكتيكيا) ومرحليا ريثما (يتمكنوا) أو هو خوف حقيقى من أن تنزلق (تونس) الى مصير
مشابه لمصير السودان خلال 25 سنة أو مثلما نرى فى ليبيا منذ نجاح ثورتها واطاحتها بالقذافى فى 17 فبراير من عام 2011.
للأسف الدكتور حسن الترابى فى ندواته التى تحدث فيها بمصر خلال تلك
الزياره لم يعترف بأى اخطاء بل زائد وكابر وتمسك برؤيته وفكره متكئا على نظرية
(المؤامرة) التى أخرجته من السلطه فى السودان (كما يعتقد)، فكتبت معلقا بعد انتهاء
زيارته ليته لم يأت لزيارة مصر لأنه لم ينتهز تلك (الفرصه) التى لن تتكرر ولم يقدم
شيئا يستحق الذكر
لمصلحة ومستقبل السودان ولم يقدم نصيحة للإسلاميين
فى مصر وباقى العالم تجنبهم اخطاء رفاقهم فى السودان.
على كل .. ذلك
الأعتراف (الخجول) الذى ورد
ضمن حديث د. الترابى فى الندوه الأخيره والذى تحمل فيه المسوؤليه الكامله عما دار فى الجنوب وأدى الى
انفصاله والى اشتعال الحرب فيه بعد الأنفصال، ليس كافيا ولا يشفى غليل أحد فى
السودان ونصيحتى له بعد أن تقدمت به السنين ولا أظنه لازال طامحا أو راغبا فى
مناصب أو جاه أو سلطه، ان (يفعلها) وأن يعتزل العمل السياسى ويعترف بجميع الخطايا
التى ارتكبها ومن بينها انضمامه لحركة الإخوان
المسلمين ومشاركتهم بل قيادتهم فى جميع تقلباتها وتحولاتها ومسمياتها لأكثر من نصف
قرن من الزمان وهو رجل (القانون) الذى تخرج
من جامعات بريطانيا وفرنسا، فكان القرار الذى دعا اليه ونفذه هو
حرمان الطلاب السودانيين من الدراسه فى الخارج .. عليه أن (يفعلها) وأن يوجه رسالة
صادقة لمن يسمون (بالإسلاميين)
خاصة شباب الحركه الإسلاميه
وكثيرون يصدقونه، يقول لهم فيها أن الإسلام لم
يأت ليحكم وهو دين يصلح للتربية ولا يصلح للحكم والبون شاسع بين الإثنين .. والإسلام دين
جاء من أجل تهذيب الناس
وترقية أخلاقهم وسلوكياتهم وحسهم وشعورهم لكى تخرج من بينهم (قيادات) سياسيه عالمه
وخبيره وأمينه وصادقه تقود المجتمع من خلال فكر (انسانى) وبرامج واقعيه تحقق له
(الكفايه) انطلاقا للرفاهيه وتكون الوسيله للوصول الى كل ذلك (المعامله) الطيبه الكريمه النقية بين الناس جميعا ..
تلك (المعامله) التى يزورها الإسلاميون
فيدعون بأن تكون (المعاملات) من الجانب (الشكلى) اسلاميه مثل تعاملات البنوك والحصول
على القروض وكلما يرتبط بالأقتصاد وخلاف ذلك من
مجالات، على غير الحقيقه، بل هم يفشلون ويعجزون من الألتزام بدلك (القول) وسرعان
ما يتجهون للأستنجاد بفقه (الضرورة) وبما يسمى بالضرورات تبيح المحظورات .. (فالمعامله)
التى يسهل تطبيقها وتؤدى لكلما هو مطلوب، والمقصوده فى الحديث، هى المعامله الطيبه
والخلق الحسن لأن الرسول (ص) قالها واضحه: ((انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
على الدكتور حسن الترابى أن (يفعلها) .. وأن يعترف فى شجاعه وينصح
اتباعه بأن السودان فيه افكار وأحزاب مختلفه، اذا كانوا محافظين أو معتدلين أو وسط أو ليبراليين أو أشتراكيين أو علمانيين، كلهم
مسلمون وبالطبع بينهم مسيحيون ومن يعتنقون اديان غير سماويه، ولا يجب أن تحتكر (الإسلام) جهة مهما كانت، فى احيان كثيره تكون أبعد الناس عنه
.. وكل مخير فيما يعتنق والحل الوحيد الذى يوحد
السودان ويقرب اهله الى بعضهم البعض هو الإعتراف بهذا التعدد والتنوع والا يميز (الإسلاميون) أنفسهم والا يحتكروا (الأسلام) ويستغلوه
ويتاجروا به .. عليهم أن يعملوا مع باقى السودانيين لتأسيس دولة المواطنه المدنيه
الحديثه دون اى تمييز وأن يستفيد كل سودانى من القيم والمكارم الموجوده فى معتنقه من
أجل ترقية اخلاقه وسلوكياته فى نفسه أولا ومن أجل التعامل الحسن مع الآخرين فى
المرحلة الثانية.
فحسن الترابى ليس اكثر ذكاء وعلما
وخلقا وصدقا وأمانة وزهدا وعبادة وقربا لله، من الشهيد الأستاذ/ محمود محمد طه، الدى كان يدعو للإسلام لكن كان شعاره (الحريه لنا ولسوانا).
وفى الختام .. فأننى لا أدعى علم الغيب .. لكن اذا مات الدكتور/ حسن الترابى، بعد كلما حل بالسودان وأهله
بسببه، دون أن يفعل ذلك فأنه
سوف يموت على سوء الخاتمه وسوف يندم حينما لا ينفع الندم وسوف يعاقب عقابا عظيما،
فكلما دعا له وعمل به تسبب فى قتل وتعذيب
واقصاء وايذاء الملايين
ولا زال تلاميده مصرين على السير فى طريقه، بل لا زال حسن الترابى يسعى للتصالح
معهم بدلا عن نصحهم وحملهم على التخلى عن هذا الفكر المهووس الظلامى وعن السلطه لمن يستطيعون ادارة
البلاد بصورة أفضل .. ولكى تخرج من كبوتها ومما هى فيه من إحن ومحن.
تاج السر حسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق