الجمعة، 17 يناير 2014

من أسرار إبتسامة الشهيد محمود محمد طه!

                                                                                   
                                                       


  
من أسرار إبتسامة الشهيد محمود محمد طه!
طوبى للغرباء ... طوبى للحزانى الذين يتألمون نيابة عنا ... ويموتون فداء لنا ولكى نعيش احرارا سعداء مرفوعى الروؤس دون ظلم أو ضيم أو قهر أو ذل أو إضطهاد.
فى مثل هذه الأيام من عام 1985 (جلس) الرجل (شامخا) أمام أحد القضاة المتأمرين المنتمين لجماعة (الهوس) الدينى  الذين لا يستحقون الإحترام وخاطبه قائلا:
((أنا أعلنت رأيي مرارا فى قوانين سبتمبر1983م من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام .. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ونفرت عنه ...  يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه الى الإستكانة عن طريق إذلاله ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ... وأما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين ... ومن أجل لذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال للشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين)) .
·        امدرمان السابع من يناير 1985
والشهيد الأستاذ/ محمود محمد طه، قائل تلك الكلمات المضئيات مفكر (إنسانى) لأنه كان يعمل من اجل إسعاد بنى الإنسان أينما كانوا بغض النظر عن معتقداتهم وأجناسهم وأوطانهم .. وهو مفكر (إسلامى) لأنه عمل من أجل تنقية الإسلام ومما لحق به من شوائب وتقديمه بصورة عصرية متحضره من (قرءانه) وسنته ومراجعه وعلى نحو تتقبله إنسانية هدا الزمان والا تنفر منه وتعتبره دينا يدعو للتمييز بين الناس واضطهادهم وإذلالهم ويحرض على القتل وسفك الدماء وإجبار من لا يعتنقونه بدفع (الجزيه) صاغرين من أجل نجاتهم، كما صورته  ودعت الى ذلك جماعات (الهوس الدينى) الإرهابيه المتطرفه .. والرجل اعترف فى (شجاعة) بوجود تلك (التشريعات) التى دعت لذلك كله خلال زمن (سابق) ربما املتها كثير من (الضرورات) المقدره ولم ينافق أو يداهن أو ينفى ما كان سائدا خلال ذلك الزمان كما يفعل كثير من (المسلمين) اليوم فينفرون عن الأسلام أكثر مما يرغبون فيه .. بل قالها فى شجاعة متناهية كذلك وبجرأة (عالم) مدرك ومحقق لما يقول أن تلك (التشريعات) التى كانت صالحه فى وقتها، لا تناسب انسانية هدا العصر ولم يكتف بذلك بل قدم البديل العلمى والعملى الدى يفيد انسان هذا العصر ويخرجه من الظلمات الى النور ويتناسب مع انسانيته فى العديد من ندواته ومقالاته وكتبه وفى مقدمتها كتابه الذى اثار كثير من الجدل:
(الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لأنسانية القرن العشرين). متكئا على فهم يقول أن (الكمال) فى (التطور) لا فى حالة الجمود والثبات ولتوكيد تلك المسأله قال رب العزه عن نفسه: (كل يوم هو فى شأن).
والملاحظ لأطروحات ومنهج غالبية المتشدقين (بالأسلام) اليوم دون علم من جماعات (الهوس الدينى) و(الأسلام السياسى) أنها تفتقد لروح (الوطنيه) والأعتزاز بالوطن، وكأنهم ما سمعوا بحديث الرسول (ص) عن مكه الذى قال فيه: "إِنَّكِ لأَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ". وهذا ذاته نهج المفكر الأسلامى السودانى الشهيد (محمود محمد طه) الذى كان يحب وطنه لدرجة لا توصف ويعتز بشعبه كثيرا فهو القائل فى احد كتبه:
((ولا يهولنك كون السودان جاهلا خاملا فان الله قد حفظ علي أهله من أصائل الشمائل ما سيجعله نقطة التقاء الأرض بأسباب السماء)).
والحديث النبوى الذى يتحدث عن مكانة (السودان) وشعبه عند (رب العزة) صراحة وما هو مدخر له فى المستقبل سمعته لأول مره على لسان أحد تلاميذه فى احد أركان النقاش ثم ذهبت بعد ذلك (للأستمتاع) به من مصادره – ولا زلت أفعل - لا للتأكد من صحته، فهم أعنى – تلاميذ الشهيد-  كما عرفتهم لا يعرفون الكذب  .. ونص الحديث يقول:
 "عن جابر بن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما نزلت : (فيومئذ وقعت الواقعة)  ذكر فيها (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)، قال عمر : يا رسول الله ، ثلة من الأولين وقليل منا ؟ قال : فأمسك آخر السورة سنة ، ثم نزل : (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عمر ، تعال فاسمع ما قد أنزل الله : (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) ، ألا وإن من آدم إلي ثلة ، وأمتي ثلة ، ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل ، ممن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له".
ثم سمعت بعد ذلك من فم الشهيد (محمود)  كفاحا قوله: (حب السودان من حب الله) .. ولا زالت تلك الكلمات الخمس ترن داخل اذنى وتزيد من دهشتى وحيرتى كما حيرتنى وأدهشتنى لاحقا (ابتسامته) على مقصلة الفداء فى ذلك الموقف الرهيب الذى تشيب له روؤس الولدان صبيحة يوم الجمعه 18/1/1985 داخل سجن كوبر، تلك (الأبتسامه) التى تحمل الكثير من الأسرار والمعانى خاصة بالنسبة لى وأظن كل من تأملها بعمق وصدق خرج برؤى وتوقعات وخيالات لا تحصى ولا تعد.
وحالة ثبات و(أستقامة) العالم الزاهد التقى الورع المدرك لحقيقة الموت والمتصالح معه فى مثل ذلك الموقف تختلف دون شك عن حالة ثبات وشجاعة يبديها حاكم (ديكتاتور) قاتل وسافك دماء مهما تشابه الموقفان وحالة الثبات والتجلد (مظهريا) فى تلك اللحظه، وهى تشبه المقارنه غير الصحيحه بين شك (الجاهل) وشك (العالم)، فشك الأول (جهل) وادعاء وشك الثانى (علم) ومعرفة وحالة يقين وأطمئنان!
الشاهد فى الأمر أنى لا استطيع أن ادعى احاطتى الكامله (بسر) ابتسامة الشهيد الأنسان المفكر (محمود محمد طه)، فى ذلك اليوم، فهى ابتسامة كلما كشفت عن اسرارها تظل مجهوله ومحيره بصورة أكبر وتحمل فى داخلها اسرار جديده لم تكتشف بعد.
سئل (الشاويش) الأمى البسيط الذى كان يحرس (الشهيد) فى سجن (كوبر) لو قابلت (محمود) مرة أخرى فمادا تقول له: أجاب بعد أن قال لسائله كيف الاقيه وقد ذهب لملاقاة ربه، ثم واصل (بعامية) سودانية تصرفت فيها: " كان لأقيته سوف أساله من أين أتيت بكل هذه الرجوله"؟
أما طبيب (السجن) الذى فحصه ليلة (التنفيذ) فقد أكد أن أى محكوم بالأعدام عادة يرتفع ضغطه فى مثل تلك الليله الا (محمود) فقد كان ضغطه طبيعيا للغايه.
ولى كل حال فأنى أحاول من خلال احساسى وشعورى (فقط)، لا (العلم) أن  تخيل القليل جدا من (سر) تلك (الأبتسامه) التى ظلت تشغل بالى وتحيرنى لأكثر من ربع قرن من الزمان كمحب وعاشق للرجل وفكره ومواقفه المبدئيه وشجاعته فى البوح بكلمة الحق.
فكما قال على بن ابى طالب: (تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ).
فالشهيد (محمود) تكلم عن (الهجرة بين طبقات العقول) مستعرضا حالة النفس البشريه من بداياتها وسيرها فى ترقيها وتطورها وكدحها نحو ربها كما جاء فى الآيه: (يأ ايها الأنسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه).
وقال فى هدا الجانب:
"درجات النفوس هي طبقات العقل الباطن .. وهي النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس الملهمة، والنفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، والنفس الكاملة" ...  واضاف : "الهجرة الداخلية هي ، في الحقيقة، هجرة من النفس السفلى الى النفس العليا".
 فهل ابتسم (محمود) لأنه كان مدركا لحظتها – دون ادعاء -  أنه قد عبر فى هجرته، مراقى النفس مطمئنه وراضيه ومرضيه وكاد أن يصل (للكامله) وأنه ملاق ربه بعد ثوان قلائل ولذلك كان فرحا ومسرورا بذلك اللقاء القريب .. لكنه وعلى الرغم من مهابة الموقف وجلاله لم يظهر ذلك الفرح الا كما تفعل النفوس الكبيره، عبر عنه (بابتسامة) تواضع و(أستقامه) لكنها لم تعكس زهوا وخيلاء وتحد لخالق أو مخلوق؟
وكأنه فى تلك اللحظه جسد نصائحه لتلاميذه بأعمال (الفكر) فى كل امر وفى كل لحظة مهما كانت، فكان فكره حاضرا فى لحظة يتوقف فيها الزمان وتشرئب فيها الأعناق ويزداد خفقان القلوب وتنحبس الأنفاس ويزيغ البصر .. وهو فى ذلك الموقف ما زاغ بصره ولا طغى!
أم كان (سر) تلك الأبتسامه يا ترى فى ذلك الموضع بسبب معرفة الشهيد الأكيده لحقيقة (الموت) وتصالحه معه وتوصيل تلك المعرفه لتلاميذه ثم تأكيد تلك المعرفه عمليا على (المقصله)؟
ففكرة (الموت) عند الشهيد الاستاد محمود محمد طه مبنيه على ما ذكره فى كتابه (أسئله وأجوبه) التى تقول:
 ((الموت الحسي ليس، في حقيقته، كما نظنه نحن الآن، وإنما هو ميلاد في حيز غير الحيز الذي نألفه نحن، مثله  في ذلك، مثل ميلاد الطفل في عالمنا هذا، فإنه قد جاء من حيز قد عاش فيه مدة، وألفه، واطمأن إليه، ولم يخطر بباله حيز غيره، ولو خير لكره الخروج عنه إلى عالمنا هذا كما يكره أحدنا أن يموت الآن .. نحن أيضا عندما نموت سنجد أنفسنا في عالم خير من عالمنا هذا ..  الموت بمعنى الفناء ليس هناك .. فبالموت يغير الحي قشرته فقط - يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحا من الزمن - وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها - فالإنسان لا يموت، وإنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية .. وتبرير الإسلام للموت أنه سير إلى الله - سير من البعد إلى القرب - وهذا لجميع الناس .. "يأيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا، فملاقيه" ومن ملاقاة الله الموت ، لأن به رفع الحجاب : " لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك، اليوم، حديد")).
·        أنتهى حديث الأستاذ/ محمود عن فكرة الموت.
ولذلك حينما وصلت المواجهة مع (الهوس الدينى) المتآمر والمستغل (لجهل) جعفر نميرى (رحمه الله) الى نهايتها تحدث الشهيد فى مساء يوم الجمعه 4/1/ 1985 الى تلاميذه حديث مودع ومفارق وملمح وهو يدرك فظنتهم للتهيؤ الى ما هو قادم لخصه فيما عرف بحديث الفداء قال فيه:
((لزمن اضطرنا لنوقف الحديث الكلام القيل طيب جدا .. أفتكر مؤتمرنا دا لابد أن يؤرخ تحول عملى فى موقف الجمهوريين .. زي ماقلنا قبل كده: الناس سمعوا مننا كثير الكلمة المقروءة والمكتوبة، نحن عشنا زمن كثير فى مجالات عاطفية .. الإنشاد والقرآن والألحان الطيبة.. وجاء الوقت لتجسيد معارفنا وان نضع انفسنا فى المحك ونسمو فى مدارج العبودية سمو جديد.. الصوفية سلفنا ونحن خلفهم.. كانوا بيفدوا الناس، الوباء يقع يأخذ الشيخ الكبير، الصوفى الكبير وينتهى الوباء..دى صورة غيركم ما يعقلها كثير.. الجدرى فى قرية التبيب تذكروها؟ كان فى كرنتينه فى القرية لا خروج ولا دخول.. الشيخ الرفيع ود الشيخ البشير اخو الشيخ السمانى مات بالجدرى فى القرية .. شيخ مصطفى خال خديجه بت الشريف، هو صديقنا وبزورنا كثير قال: حصلت وفاة ومشيت أعزى.. مر على الشيخ الرفيع، ( اخو الشيخ السماني ، شيخ المقاديم الهسع بيعطروا ليكم حلقات الذكر ديل ) .. قال لى بمشى معاك .. قال: مشينا سوى إيدو فى إيدى كان فيها سخانة شديدة.. وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو يا الشيخ! المرض دا ما كمَّل الناس؟؟ الشيخ الرفيع قال: المرض بنتهى، لكن بشيل ليهو زولاً طيب .. قمنا من المجلس وصلنا البيت والسخانة كانت الجدرى! ومات الشيخ الرفيع ووقف الجدرى.. السيد الحسن أيضا مات بوباء وانتهى الوباء.. وفى سنة 1915م الشيخ طه مات فى رفاعة بالسحائى، وكان مستطير بصورة كبيرة وما عندو علاج وما كان بينجى منو زول، الما يموت يتركو بى عاهة.. مات الشيخ طه والمرض انتهى.. الحكاية دى عند الصوفية مضطردة ومتواترة، العلمانيين تصعب عليهم .. انتو هسع لابد تفدوا الشعب السودانى من الذل والمهانة الواقعة عليهو والجلد.. واحد من الأخوان لاحظ قال: القيمة من المسيرة أن تشاهدوا الجلد الواقع.. واحدة من الأخوات قالت :العسكرى شاب والمجلود شيخ كبير والقاضى واقف يستمتع.. وهى مسالة أحقاد وضغائن ونفوس ملتوية تتولى أمور الناس..  قد تجلدوا.. ما تنتظروا تسيروا فى المسيرة وتحصل معجزة تنجيكم.. هى بتحصل لكن ماتنتظروها.. خلو الله يجربكم ما تجربوا الله.. تعملوا الواجب العليكم، تنجلدوا ترضوا بالمهانة.. ومن هنا المحك البيهو بتكونوا قادة للشعب العملاق.. ويكون فى ذهنكم قول الله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وآية ثانية (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).
ما أحب أن تصابوا بخيبة أمل من العقبات ألبتلاقيكم فى الطريق .. ويكون مؤكد الأمر النحن بنواجهو محتاجين ليهو فى الداخل .. كل أمر يساق ليكم يقويكم وهو عناية من الله ولطف.. ولكن الناس يسوقوا أمرهم بالجد، وكل واحد يدخل فى مصالحة ورضا بالله .. تواجهوا أمركم لتفدوا شعبكم وبعضكم بعض لترتقوا درجات فى واجبكم وعبادتكم .. أمركم قريب ومعنيين بيهو .. انتم محفوظين .. لكن ماتفتكروا الطريق مفروش أمامكم بالورود.. استعدوا فى قيامكم بالواجب المباشر تكونوا دائمى النعمة وموضع نظر الله وعنايتو .. ثقوا بيهو .. ان شاء الله أمركم قريب والله إدخركم للأمر دا.. وانتم اليوم الغرباء بصورة كبيرة، كل المجتمع السودانى فى كفة والجمهوريين فى كفة، الجمهوريين مطلوبين، الناس الطالبنكم فداية ليكم، وظلماتكم نور .. أنتم موضع عناية، تقبلوا العناية، وسيروا راضيين بالله، بالصورة دى يكون ختام مؤتمرنا)).
·        أنتهى حديث (الفداء).
ولابد من التطرق فى هذا المقام الى  التعريف المدهش الذى جاء به (الشهيد) عن الأنسان الحر والذى قال فيه، الأنسان الحر هو الفرد الذى : " يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول ، ثم يتحمل نتيجة فكره وقوله وعمله" ، وأضيف هنا بأنه بفضل تجويد العبادة والصعود في مدارج العبودية يرتفع الفرد من هذه البداية الي أن "يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يفول ، ثم لا تكون عاقبة فكره وقوله وعمله إلا خيرا وبرا بالأحياء والأشياء".
·        أنتهى حديث الشهيد عن تعريف (الأنسان الحر).
ولذلك كان يطالب تلاميذه بكف اذاهم عن الأخرين حتى فى (الخواطر) بل كان يطالبهم بتحمل أذى الآخرين مهما كان حجمه.
وكان يردد قول أخوانه (المتصوفه) :
 ((حب البكرهك كان حبيت البحبك ما سويت حاجه)).
أم هل يا ترى سر (الأبتسامه) تلك، هى المعرفة الحقيقيه بالإسلام والمجسده فى اللحم والدم لا قولا فقط باللسان والتى يجهلها الكثيرون ثم معرفة (بالحقيقه) المحمديه فى مقاماتها الثلاث كما عرفها الشاب اليمنى (اويس القرنى) الذى أوصى النبى (ص) صحابته ومن بينهم (عمر بن الخطاب) إذا التقوه أن يطلبوا منه (الدعاء) وكما هو (متصور) لم ير (أويس) النبى (ص)، فحينما التقوه وعرفوه من بعض العلامات التى وصفها لهم (الرسول) وطلبوا منه الدعاء، سألهم أن كانوا قد رأوا الرسول (ص) فلما اجابوا بنعم قال لهم: ((والله لم ترونه الا كما يرى السيف داخل غمده)).
أم يا ترى سر (الأبتسامه) معرفته الأكيده بمعنى الحديث القدسى العميق: (مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ..) الى آخر الحديث وما تجاوزه من معنى عجز عن ادراكه الكثيرون!
أم يا ترى (ابتسامته) تعود الى (تأويله) للقرءان لا الأكتفاء بما ورد فى (التفاسير)، فهذا ليس زمان تفسير  (ابن كثير) وكرته الأرضيه الجالسه على ظهر حوت جالس على قرن ثور!
وفى الـتأويل حل لكثير من المشاكل لذلك دعى النبى (ص) لأبن عمه العباس بأن: "يفقه الله فى الدين وأن يعلمه التأويل".
فمن خلال التأويل قال الشهيد (محمود) أن كل كلمه ترد فى القرآن وتتحدث عن (الماء) مثلا مقصود بها المعنى الظاهرى بداية، لكن فى الحقيقه مقصود بها (العلم) مثل الآيه: "أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها". ومثل آية يرددها الكثيرون: "وجعلنا من الماء كل شيء حي." فهل لأنسان حياة (حقيقيه) خاصة فى عالم اليوم بغير (العلم)؟ .. ومن خلال التأويل لا التفسير قال الشهيد (محمود) أن (المسيح) القادم والذى تنتظره البشرية كلها فى مختلف الأديان والمذاهب لن (يكسر) الصليب بمعنى أن يمنع المسيحيين من عباداتهم أو مقاتلتهم وأنما (بفك) التعارض والأختلاف بين الأديان، فكيف يفعل المسيح القادم ذلك وهو آت من أجل أن تملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا .. وهو آت لكى يعم الخير والأمن والسلام حتى يلعب الطفل مع الحيه فلا تؤإذ يه ويرتع الإذ ئب مع الحمل فلا يأكله؟
ام يا ترى تلك الأبتسامه (المحيره) سببها ما يعرفه عن (حقيقة) نفسه وما ظل يعمل له من اجل اسعاد البشريه وتمتعهم بحرياتهم وانسانيتهم وانعتاقهم من قيود الذل والعبوديه لآخر لحظه من حياته، فإذ ا به يسمع بأذنيه وهو على (المقصله) من يسبونه ويشتمونه ويسئيون اليه ويرمونه بكل صفة قبيحة وذميمه وكأنه حينما ابتسم فى تلك اللحظه ناجى ربه قائلا:
(اللهم اغفر لقومى فأنهم لا يعلمون).
ومن عجب قالوا أن (محمود) أدعى (النبؤة) وأنه يتحدث عن رساله جديده حينما أخرج كتابه (الأسلام برسالته الأولى لا يصلح لأنسانية القرن العشرين)، فى جرأة عالم وعارف يرى (الكمال) فى التطور لا فى الثبات مستشهدا بقول رب العزه عن نفسه (كل يوم هو فى شأن) ولذلك فهو (كامل) ولا يمكن ادراكه (فالثابت) يمكن أن تدركه مهما بعد وسما.
وما قصده (محمود) هو العوده الى فهم مستنبط من (القرآن) نسخ، لكنه اصبح بفضل الله والتطور مناسبا لأنسانية اليوم ولتطلعاتها للحريه وللعدالة والمساواة وللديمقراطيه، مبينا أن (النسخ) من ضمن تعريفاته (الإرجاء) لا الشطب والألغاء بصورة نهائيه وقد نصت الآيه على ذلك صراحة حيث جاء فيها (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
حيث لا يعقل أن تنسخ (نهائيا) آيات تدعو للتسامح مثل: (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) وآية مثل :(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) بآيات مثل (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قيل انها (نسخت) 114 آية تحدثت عن (التسامح) أو تنسخ بمثل آية أخرى يستخدمها كثير من المسلمين الآن للدعوه بأخذ الجزيه من المسيحيين (صاغرين) وهى التى تقول (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
فهل كان ذنب (الرجل) أنه عمل (بعلم) ومعرفه لتقديم اسلام يدعو للحب والسلام والموده ومن قرآنه وسنته ومراجعه وقد جاء فى الآيه "وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ".
وما جاء به (الشهيد) هو أحسن ما انزل الينا من ربنا وما ورد فى القرآن.
وعن  (سر) تلك الأبتسامه وتقديره للمرأة قال فى باب (وصيته للرجال) ما يلى:
·        وصيتى للرجال
((علموا: أن الصورة التي تعرض نفسها دائماً على الأذهان، عند الحديث عن حقـوق المرأة، تلك الصورة التي تجعل الرجل والمرأة ضدين، لبعضهما البعض، يتنازعان حقا بينهما، في خصومة، ولـدد، فإذا كسب أحدهما خسر الآخـر، هـذه الصـورة شائهة، وخاطئـة.. إن قضية المرأة ليست ضد الرجل، وإنما هي ضد الجهل، والتخلف، والظلم المـوروث.. وهي، من ثـم، قضية الرجل والمرأة معاً.. ولتعلموا: أن صراعنا دائما إنما هو ضد النقص، ابتغاء الكمال.. والكمال إنما هو حظ الرجـل، وحظ المـرأة في آن معاً.. فإن الفرد الكامل، إنما هو الابن الشرعي للمجتمع الكامل.. وهو، أكثر من هذا، الابن الشرعي للمرأة الكاملة.. يقول العارفون: إن الصلاح ((امرأة)).. ويريدون بذلك أن يقولوا: أن المرأة الصالحة إذا تزوجها الرجل الصالح، أو تزوجها الرجل الطيب، كريم الأخلاق، سخي اليـد، حسن الدين، فإنها تنجب ابنا صالحا.. ولكن الرجل الصالح إذا تزوج امرأة مرذولة، دنيئة النشأة، رقيقة الدين، كزة النفس، فإنـه لا ينجب إلا أبناء فاسدين، رقيقي الدين، سيئي الخلق.. وذلك أمر مفهوم، ومقدر، وأسبابه واضحة)).
·        وأضاف:
-         أعينوا النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرف كإنسان، لا كأنثى.
-         غاروا على النساء .. ولا يكن مصدر غيرتكم الشعور بالامتلاك، كما هي الحالة الحاضرة .. ولكن غاروا على الطهر، وعلى العفة، وعلى التصون، لدى جميع النساء.. وسيكون من دوافع مثل هذه الغيرة أن تعفوا، أنتم أنفسكم، فإنه وارد فى الحديث :((عفوا تعف نساؤكم)).
-         تسلطوا على النساء!! ولكن لا يكن تسلطكم عليهن عن طريق الوصاية، ولا عن طريق القـوة، ولا عن طريق الاستعلاء - استعلاء الذي ينظر من أعلى إلى أدنى- ولكن تسلطوا عليهن عن طريـق الحب .. أحبوهن، وتعلقوا بالمكارم، والشمائل، والرجولة، التي تجعلكم محبوبين لديهن.. فإن المـرأة إذا أحبـت بذلـت حياتـها فـداء لمن تحـب.. فليكـن هـذا طريقكم إلى ((استغلالهن)).

·        انتهى حديث الأستاذ عن وصيته للرجال فى تعاملهم مع المرأة.
وطالما كان المقام ، مقام (اسرار) أختتم بحديث الشهيد عن القرآن وعن محمد (ص) وعن السرين المقترنين.
·        حيث جاء فى أحد كتبه :
((أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمد، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين)).
وفى موضع آخر قال:
((أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد .. أما القرآن فهو مفتاح الخلود .. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن .. فمن قلد محمدا، تقليدا واعيا، فهم مغاليق القرآن .. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله، وقلبه، من أسر الأوهام .. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة) .. وأبواب الخلود السبعة هي مراتب النفوس السبعة، التى تنتهي بالنفس الكاملة، حيث الحياة الكاملة، التى تحدثنا عنها.. فحياة محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، هي سبيلنا الى تحقيق حياتنا الكاملة، عن طريق العلم بالله، والتأدب بأدب العبودية)).
(أعظـــــم الشـــــهـــداء)

ثابت علــى المــــــبدأ
رهيب فى بسمتك تتحـــدى
لما القناع من هيبتك أنزاح
طرفك لا رمش لا أرتد
.........................................
مكتوف الأيادى 
واقف عديل ما أنهد
مجنزر، فى هيبة تقدل
شامخ فى السماء الممتد
بى صمتك حاكمــت الجهـــل
والحاكمـــوك بالــردة

................................
(أستاذ (العصـور 
سيرتك نقية وعطره
للأحــرار منار 
وخــلدت أروع ذكــرى
حوضك صافى 
مافيهو مــوية عكــــــره
أخجـلــت القــدام 
أهــل المديح والشكـره
وأهديت الزمان 
(اسمى) وأعظم (فكره)
..................................
ترياق للنفوس 
من نشأتك، ولى آخر الأيام
افنيت العمـــر 
تبنى وتجدد وتنشرالأســـلام
بالفهم الصحيح 
والدعــوه والاعلام
أدواتك حروفك 
وسـلاحــك الأقـــلام
نظــراتك معــانــى
وحكم وكــــلام
فى صمتك عميق
ما بهمك الأعدام
وفى حزنك تأمــــل
ساكـن معـاك دوام
همـــك صـــلاح الكون
والـدنيا تبقى سلام
.........................
أتباعــك (رجــال)
ثابـتـين دوام قـــــدام
طاهرين الأيادى
صادقين لسان وكرام
حافظين الوصية 
 دائما صيام وقيام
لو الموت (شريعتك)
كان لاقوه فى (الاحرام)
........................
منو القبلك شهد 
بى روعتو الأعداء
مـنـــو المشى للشنـق
وفــى بســـمه أتحدى
منو المشت النجوم 
فى دربو تستهدى
منو النزلت 
شمــــوس العـــــزة تتلقى
ثم أنزوت خلف السحاب
عشان اكتب 
سطر، اهداء
قليل لو قلنا 
فى وصفك عظيم
أو قلنا أنك
أعظم الشهـــــــداء

تاج السر حسين

هناك تعليق واحد:

  1. لقد أوفيت الرجل الذى رفع رؤوسنا عالية بين كل شعوب العالم , بينما جلس شعبه الذى علمه وهذبه وفداه هذا الفداء العظيم يتفرج عليه تحت المقصلة , تقبل الله سيد شهداء أهل السودان وأنزله فى عليين

    ردحذف